عامر القيسي
تأريخ النضال العراقي يزخر بالمثل والتضحيات التي اسقطت حكومات وغيّرت اتجاهات سياسية رسمية ودفعت انظمة الاستبداد الى الذهاب بعيدا في عنفها الى الافراط به ليدخل في معايير المؤسسات الدولية كجرائم حرب كما كان في الزمن الصدامي من أمثلة المقابر الجماعية والانفال والاعدامات الجماعية بـ"تنظيف" السجون من المعارضين الشرسين للنظام.
لكن لقيامة تشرين نكهة اخرى وطعم آخر ،نكهة انبثاقها من قلب العهد " الديمقراطي" أو هكذا توصيفات بنيت على اساس ان صناديق الاقتراع المؤشر الوحيد والدال على ان النظام ديمقراطي ، في تقييم سطحي واحادي الجانب فصدام استخدم صناديق الاقتراع ليفوز بالمطلق باستثناء بعض " الخونة " ، وهتلر قاد المانيا الى المحرقة وهو القادم للسلطة من قلب صناديق الاقتراع ، وانظمتنا العربية الاستبدادية ، والحمد لله ، كل رؤسائها وملوكها وامرائها اتوا من قلب صناديق الاقتراع !
قيامة تشرين انبثقت من قلب صناديق الاقتراع أيضا ، فجمهورها هو جمهور الاحزاب الاسلاموية المتنفذة ، وجمهورها هو الذي ذهب الى صناديق الاقتراع ليقول نعم لقوى كان المعوّل عليها ان تقدم لنا عراقا مختلفاً عن عراق الظلم والاستبداد وضياع الأمل !
قيامة تشرين العارية صدور ابنائها الا من الغضب على ضياع البلد ، لملمت الشارع العراقي وفككت لوحة المشهد الطائفي ناثرة اياه في وجوه صانعيه ، الذين اعتقدوا ان هذا المشهد هو مركب نجاتهم وبقائهم الى ابد الآبدين ..فدفنت مشروع الرثاثة الطائفي في عقول صانعيه الذين غيروا ملابسهم بقوة وزخم وعنفوان الانتفاضة النبيلة التي قادها صبية توّاقون الى الحرية وباحثون عن وطن أضاعته دونية ونذالة الطبقة السياسية التي تحكمت بمصير البلاد منذ سقوط الدكتاتورية الصدامية .
لكن قيامة تشرين كان لها كلام آخر !
قدمت قيامة تشرين لهذه الطبقة الفاسدة وللعالم أجمع نمطاً مختلفاً من الجمهور العاري الصدور في مواجهة القنّاصة والطرف الثالث المعروف الهوية والانتماء والدبابات والرصاص الحكومي الحي والمسيلة للدموع القاتلة لانتهاء صلاحية مفعولها ، كل ذلك قدمته سلطة " العراق الديمقراطي " هدايا سيئة الذكرى والمبنى والاتجاه الى اولائك الصبية الذين رسموا خارطة جديدة بإسقاط عبد المهدي والاتيان بالكاظمي بشروط الانجاز والاصلاح وتغيير محتوى صناديق الاقتراع، واصبحوا جزءً مهماً من المعادلة السياسية في البلاد رغم كل الاتهامات البذيئة من سياسيين بذيئين ، بأن هؤلاء الصبية الكبار ، شيباً وشباباً ، جواكر وأبناء سفارات وبقايا الحرس القديم البعثي !!
قيامة تشرين.. أبناؤها فقراء التكتك الذين تخلوا عن لقمة العيش اليومية ليتحولوا الى ثوار يبحثون عن وطن مختلف جدا عمّا قدمته لهم طبقة الرثاثة السياسية التي وصفها عميد الصحافة العربية الراحل محمد حسنين هيكل بانها " مجموعة لصوص استولت على بنك " !
قيامة تشرين ..التي تعيد انتاج نفسها اليوم ، بعد ان غدرها رصاص القتلة وجائحة كورونا ، تواصل التحدي بذكراها السنوية على ايقاعات قلق ساسة البسطيات على مصائرهم الشخصية واحتمالية ان تذهب الجماهير المحتجة الى ابعد مديات انتفاضتهم المباركة ، ليلتحق اولائك الساسة بمن سبقوهم مجللين بعار الفشل والقتل واللصوصية ..!
نعم قيامة تشرين اخافتهم وتخيفهم الآن وستخيفهم في المستقبل ، رغم حياكتهم اللئيمة لمؤامرات اسقاط هذه القيامة بأسوأ أعمال الاندساس وركوب الموجة لحرفها عن مسارها الوطني وتحويلها الى قيامة فوضى !
هذا زمن ولى والعراق ماقبل هذه القيامة ليس هو بعدها ، زمن "للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تدق " لن يكون زمن اللصوص ابداً !