علي حسين
كنت كلما تابعت حركة احتجاج في بلد من بلدان العالم أسأل نفسي: أين نحن مما يجري؟.. وهل سيظل هذا الشعب صامتًا؟، يستمع لخطب صبيان السياسة وينتظر ماذا سيقولون له؟.. ويعتقد أن الخلاص في وظيفة يدفع من أجلها آلاف الدولارات؟.. أين هم شبابنا وطلبتنا؟، أين دورهم؟، لماذا لم يساهموا في إشعال الغضب ضد الفساد والمحاصصة الطائفية والخراب الذي عشّشَ في المؤسسات التربوية؟.
ولم أكن أدري أن بشائر تشرين المباركة ستهل علينا ليثبت شباب العراق أنهم الأقدر على صنع مستقبل البلاد، وليعيدوا اكتشاف روحية هذا الشعب ونقاء سريرته.
ولعل قيمة احتجاجات الاولمن تشرين، أنها أثبتت أننا شعب لم يُفسَد برغم سياسات الإفساد والانتهازية وخطب الطائفية اللعينة ومنهاج المحاصصة الذي مورس عليه طوال 17 عامًا . هذا الشعب لم يفسد ولم يقبل أن يكون طائفيًا رغم أنهم لقنوه تعليمًا فاسدًا، وأصروا على أن يفسدوا قيمه الثقافية.. وحاولوا أن يطعموه غذاءً طائفيًا فاسدًا، منتهي الصلاحية..
كنت كلما اشاهد صور ساحة التحرير والحبوبي واحتجاجات البصرة والديوانية والنجف وميسان والسماوة وبابل وذي قار تدهشني هذه الاستعادة السريعة لأجمل ما في الشخصية العراقية ، وأعني به حاستها الوطنية، في لحظة تصور فيها " زعاطيط السياسة " أنهم قتلوا جوهر هذا الشعب ووجدانه، وأحرقوا مساحات الوطنية فيه.
فى قلب عتمة وثائق الاصلاح وخطابات التوازن، وألاعيب الانتهازيين لشيطنة الاحتجاجات.. ووسط غبار من المؤتمرات التي لا تصلح للاستخدام البشري، وفي ظل مخطط شديد الانحطاط للقضاء على المتظاهرين، يأتي شباب عراقيون ناصعو الضمير، يتحدثون فتصدقهم الناس، فتنبعث الانتفاضة من سكونها على نحو أوسع وأجمل وأكثر إصرارًا على انتزاع الحق، وملامسة المستحيل، والإصرار على تحقيق الحلم، بالكنس الشامل لكل انتهازيي السلطة.
منذ انطلاق تظاهرات تشرين وأحزاب السلطة، تريد أن تؤكد للعالم بأن الذي سرق البلاد وخربها وأشاع الطائفية والمحاصصة وباع المناصب إنما هم العراقيون المعتصمون ضدها في ساحات الاحتجاج ، وأن تحرير ساحة التحرير بات مقدمًا على تحرير العراق من الفساد والانتهازية، وأن فرض الهيمنة الكاملة على العراقيين له الأسبقية على تأمين مستقبل الشعب والخروج به إلى بر الأمان.
إن الأبواق التى تشيطن شباب الاحتجاجات في ساحات العراق هي ذاتها التي قدمت العراق على طبق من فضة إلى دول الجوار .
إنها الانتفاضة المقدسة التي اختطف شعلتها شباب بعمر الزهور كان الشهيد صفاء السراي قد أصبح أيقونتها ، هذه الشعلة المقدسة التي تلقفتها الجماهير فتدفقت في ساحات الوطن بعد أن تصور حيتان الخراب أنهم استطاعوا أن يحاصروا روح الاحتجاج والرفض في نفوس العراقيين، حيث قدم لنا صفاء ورفاقه الدرس البليغ بالدفاع عن الحق والتمسك به والاستشهاد من أجله.