ستار كاووش
(هل أنت سعيد؟) يسأل أحدهم، ويأتيه الجواب من الشخص المقابل (في الماضي كنت اكثر سعادة من الآن). فما معنى السعادة هنا ولماذا نشعر انها حدثت في اوقات ماضية من حياتنا في الغالب؟ أو نراها عادة في وجوه الآخرين وتصرفاتهم، بينما تبتعد عنا وتجافينا؟ فهل السعادة موجودة حقاً؟ و
لماذا لا يستمر الاحساس بها عند الكثيرين لفترة طويلة؟ لماذا تتلاشى عند أول منعطف أو مطب؟
لا تفكر بمعنى السعادة كثيراً، بل حاول أن تعيشها،إمض مع حياتك بتفاصيلها وحاول ان تنجح في عملك او ما تقوم به بشكل جيد، فالنجاح توأم السعادة. قَسِّم وقتك كي تسيطر على تفاصيل عملك المزدحم، وهيء روحك وذهنك للنجاح في المهمة التي أنت بصدد القيام بها. لا تتذمر كثيراً، لأن وقت التذمر محسوب ايضاً من حياتك، والتبرم ستدفع ثمنه من ساعات الضوء الذي يشع من نافذتك ومن الهواء الذي تستنشقه... مجاناً.
ابتعد عن أي صديق متذمر وشكّاء أو سلبي في حياتك، فهو يسلب طاقة روحك. إقتنع بما لا يقبل الشك بأن كل المتغيرات في حياتك سواء كانت في الشكل او التفكير او حتى العاطفة ستجعلك اجمل من السابق ان اردت ذلك حقاً، واكتشف بأنك جميل في كل مراحل عمرك وليس فقط حين كنت يافعاً. حتى الفشل في عملك احياناً هنا وهناك هو مفتاح لبعض الخبرات وهو تمارين للوصول الى النجاح، فأن لم تجرب التصويب نحو الهدف، تكون قد اخطأته في كل الأحوال. السعادة بمعناها الخيالي غير موجودة، وهي تكمن في التفاصيل الصغيرة التي تبدو عابرة، هي تقبع في زاوية من روحك، فإستدعيها لتحضر، وتأكد بأنك انسان نادر وفريد ونسخة لا تتكرر مثل بيكاسو وديزني وريمبرانت أو حتى مثل جارك الذي تراه باهر الجمال، ولا تتردد كونك تشبه كثيراً الشخصيات الجميلة التي تملأ خيالك، ولا احد أعلى منك شأناً إلا اذا أردت انت ذلك وتماهلت في طموحك. السعادة ليست في قيمة ما تقوم به فقط، بل هي محاولاتك التي لا تنتهي في الوصول الى هدف معين، وهي موجودة وتحيط بك من خلال الأشياء الصغيرة التي لا يراها الآخرون أو لا يعيرونها اهتماماً كافياً. فأن كانت بعض مفاتيح حياتك لا تعمل بشكل جيد، غَيّرها ولا تتمسك بها وانت تعرف نتيجتها مسبقاً، وانتبه جيداً لبعض المفاتيح التي تبدو في الظاهر بعيدة عن مسار هدفك، فهناك يكمن الضوء في الغالب، فأنت حين تريد ان تضيء مصباح الغرفة تتجه الى زر الكهرباء وتضغط عليه رغم انه بعيد عن مكان المصباح.
دفيء روحك أولاً، وإقتنع بأنك تحمل الكثير من الجاذبية والحضور حتى لو كانت ثيابك بسيطة. تخيل انك تعيش في مدينة ثلجية باردة، فهل ستختار ان تكون فيها جميلاً أم دافئاً؟ أتَذَكَّرُ في واحد من اوائل ايامي في مدينة كييف حين كانت درجة الحرارة عشرة تحت الصفر، كنت اتهيأ للذهاب لموعد مع صديقتي سفيتلانا، حينها ارتديت اجمل ثياب املكها رغم انها لا تقاوم البرد بشكل جيد، ولحظة خروجي من البيت استوقفني جاري العجوز أناتولي وهو يشير الى ثيابي قائلاً (اسمع يابني، انت الآن في كييف، وعليك ان تنسى الكثير مما عرفته وقمتَ به سابقاً) ثم اكمل موضحاً (هنا في كييف، الخيار الطبيعي ليس بين ثياب جميلة وأخرى غير جميلة، بل هو بين ثياب تدفيء واخرى لا تدفيء) فعدت ادراجي لألبس ملابس قديمة لكنها تحميني من البرد، فأنا بكل الأحوال سأستمد الجاذبية من صحبة الذين أحبهم وليس بسبب نوع ملابسي. وكان هذا من اعظم الدروس التي تعلمتها هناك.
جمال التواصل بين الناس من اكبر الكنوز التي يمكن ان نحصل عليها. فكيف تصنع الجمال ان لم تكن جميلا؟ كيف تمنح المحبة ان لم تكن محملاً بها؟ كيف تمد يدك للتحية ان كنت متردداً من نوايا الآخرين. افتح نوافذك لأنها قد خُلقت للضوء وليس للزينة، وان الستائر ايضاً قد وُضِعَتْ كي نزيحها في الغالب، لا ان نسدلها لتعم الظلمة. يقولون بدلاً من تلعن الظلام إشعل شمعة، وانا اقول، بدلاً من كل ذلك افتح (صدرك) في أي مكان تكون فيه في هذا العالم، عندها سيضيء قلبك المكان وينعكس نور روحك على وجوه الآخرين، فالضوء الذي ينبعث من داخلك هو الحقيقة الكاملة، إفتح صدرك وسترى كيف ينجذب اليك الآخرون، وكيف ينكشف العالم بشكل مختلف.