علي حسين
للذين يعتقدون أن تبليط شارع منجز كبير يضاف إلى المنجزات التي تتحفنا بها مؤسسات الدولة كل يوم، ونجدهم يشتركون بحملة "صورني وآني ما أدري".. ما رأيهم في الحملة الرسمية التي يشرف عليها رئيس مجلس الوزراء لمخاطبة احتياجات الفقراء؟..
ماذا يقولون عن تقرير وزارة التخطيط الذي بشّرنا بأن ثلث الشعب يعاني من الفقر، في الوقت الذي تقايض فيه الأحزاب السياسية عوز الناس ومعاناتهم، بأنهار من العسل وبمدن في الخيال تضاهي دبي وأبوظبي؟!
إنه المنطق ذاته: مقايضة الضعفاء على قيم العدالة الاجتماعية والرفاهية والاستقرار والأمان والحرية، بجسر من الوعود التي سرعان ما تتبخر بعد أن يجلس البعض على كراسي الوزارات، منطق يعتمد على أحدث وأقوى آلات وبرامج العشوائية المنظمة فى كل أمور حياتنا، من السياسة إلى التعليم، حتى المجاري!
في كل خطاب سياسي أسأل نفسي لماذا تزدهر مدن العالم، فيما تتراجع أقضية ونواحي تغفو بيوتها العتيقة على بحيرات من الثروة؟ لأن أحدًا لم يقرأ ذلك التعريف الجميل الذي وضعه صاحب التاريخ الحميم للإنسانية، تيودور زيلدن "أما الوطن فهو المسكن الذي لا يشترط فيه تفضيل مصالح الساسة على مصالح الناس… لا وطن في حالة النفاق والرياء".
سيقول البعض كلامًا كثيرًا عن أمريكا ومعاركها داخل العراق والفوضى السياسية، غير أن المسألة كما يبدو من مفردات الحالة الثورية التي يظهر بها بعض النواب، وتنبئ بأن جهدًا مراوغًا يبذل لإعادة إنتاج نظرية جديدة تتحول فيها حقوق الناس إلى "مِنّة" يتفضل بها المسؤول، وأن هناك أصواتًا تنشط هذه الأيام في محاولة تثبيت نغمة "الدفاع عن حقوق الفقراء"، في الوقت الذي يعلم الجميع أن هؤلاء أول من سلب من فقراء بغداد والبصرة والأنبار وصلاح الدين والناصرية، حقهم في العيش بكرامة وطمأنينة .
على مرمى حجر من البصرة ، تستقر مدينة دبي حيث يسابق حكامها العالم في التنمية والإعمار والازدهار.. أنظر إلى وجوه مسؤولينا وهم يتنافسوت في الفضائيات بكلام مكرر عن بناء البصرة الذي تأخر بسبب المؤامرة الامبريالية !! ، وأتابع الأنباء التي تحدثنا عن حكام الامارات وهم يضعون مدينهم على خارطة المدن الأولى في العالم، حيث تستضيف دبي معرض "إكسبو 2020" تحت شعار "صنع المستقبل وتواصل العقول."
ليس خبرًا عاديًا، للمدينة التي كانت حتى عقود قليلة، مجرد ميناء صغير يبحث صيادوه عن العيش والرزق في البحر، واليوم يأتي إليها ويمرّ بها ملايين الزوار، وليس فيها نهر ولا جبل، ولا فيها دجلة أو الجنائن المعلقة .
يكتب مهاتير محمد في مذكراته " لا تنمية من دون صدق النوايا. ولا ازدهار في خداع الناس بوعود مزيفة، ولا مستقبل لحاكم يقايض شعبه على رفاهيتهم وحقوقهم ".