حازم مبيضين"يوم دام آخر في العراق" عنوان بغيض عاد ليتصدر صفحات الصحف وعناوين الأخبار، والحصيلة مئات القتلى والجرحى الأبرياء، الذين خرجوا من بيوتهم صباحاً مفعمين بأمل رزق وفير يحملونه آخر النهار إلى عائلاتهم، لكنهم لم يرجعوا، ولم تستقبلهم ضحكات أطفالهم، وليس مهماً الجهة المتهمة بهذه الجرائم، سواء كانت تنظيم القاعدة على خلفية الضربات التي تعرض لها في الآونة الأخيرة
بقتل واعتقال رموزه، أو كانت تقصيراً بالأداء، من جانب الجهات الأمنية على خلفية ضعف إجراءات التفتيش في النقاط الأمنية في بغداد بشكل خاص وفي العراق بشكل عام. والمهم هنا تأكيد المسؤولين أن هذه التفجيرات لن تؤثر على النتائج المتميزة في قهر الإرهاب، وأن المقصرين، بغض النظر عن الوظائف التي يشغلونها، يجب أن ينالوا العقاب الذي يستحقون.كان منتظراً أن تنفذ القاعدة أكثر من هجوم في أكثر من موقع وبتوقيت موحد، للإيحاء بقدرتها على الاستمرار في نشاطاتها الإرهابية، دون أن تتأثر بالضربات القاسية التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة، ومفهوم أن الهدف يتمثل بإيقاف عامل المبادرة للخطة الأمنية في ملاحقة الأهداف الإرهابية، إضافة إلى محاولة تشتيت جهود الأجهزة الأمنية، والضغط عليها، وإجبارها على العودة إلى الأساليب الدفاعية، ومنعها من تنفيذ أهدافها الاستباقية والهجومية، إلى إرباك الوضع السياسي والأمني، خلال الفترة السياسية الحرجة المتمثلة بالعمل على استكمال خطوات انعقاد البرلمان الجديد، وتسمية رئيسي الجمهورية والوزراء، وتشكيل حكومة جديدة وبما يعني الوفاء بالاستحقاقات الناجمة عن العملية الانتخابية.كان منتظراً أيضاً أن يستغل تنظيم القاعدة الحالة السياسية الراهنة، المتسمة بالتجاذب بين أركان العملية السياسية، للقيام باعمال إرهابية تستهدف أسس الدولة العراقية، وجميع العراقيين بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم أو قوميتهم، وأن تستهدف العملية السياسية والتجربة الديمقراطية الوليدة، وفي المقابل كان منتظراً من السياسيين العراقيين العمل على تقوية النظام الجديد، والانتهاء من ما بات يعرف بمعضلة تشكيل الحكومة الجديدة، مثلما كان منتظراً من القوى الأمنية أن تشدد إجراءاتها تحسباً من مثل هذه العمليات، بعد الضربات الناجحة التي مست عصب التنظيم الإرهابي، والمؤسف أن لا الأجهزة الأمنية شددت من يقظتها ولا تخلى السياسيون عن طموحاتهم الشخصية، أو عن مهمتهم كوكلاء لسياسات خارجية، فكانت الضربة المؤلمة التي نجح الإرهابيون بإنزالها بالمواطنين الأبرياء.الإرهابيون يعملون بكل جهدهم لمنع التقدم في العملية السياسية، وسيظلون على ديدنهم يبذلون المحاولات المستميتة لإعادة العراق إلى مربع العنف الطائفي الأعمى الذي غادره متعافياً ، وبما يعني في نهاية الأمر أن هذا العنف سيظل عبثياً، ولن يحقق أهدافه برغم الألم الهائل الذي يجتاح النفوس، ورغم الغضب العاصف الذي يسيطر على أهالي الضحايا الذين يدركون اليوم أن عدوهم الحقيقي هو القاعدة وليس أبناء الطوائف الأخرى الذين يتعرضون بنفس القدر لما يصيبهم، ويظل على السياسيين العمل بجدية ونزاهة وتجرد، لتحقيق الاستقرار الذي سيقطع على إرهابيي القاعدة كل الطرق التي ينفذون منها."يوم دام آخر في العراق" عنوان بغيض نتمنى أن يعمل الجميع بكل طاقتهم كيلا يطالعنا على صدر صفحات الجرائد بلونه الأسود الكامد، وكيلا يكون الخبر الأول في الإذاعات والفضائيات، وكي لا يظل الهاجس الذي نخشى وقوعه.
كلام ابيض : يوم دام آخر
نشر في: 15 مايو, 2010: 06:23 م