الطابوق العراقي يتكسّر أمام طابوق تركيا وإيران بفعل الفاسدين
واسط / جبار بجاي
أكثرُ من عشر ساعات يومياً يقضيها أحمد سليم جاسم بين لهيب النار والطين والغبار حيث يعمل على تحميل ونقل الطابوق داخل معامل صناعته البدائية مستخدماً الحمار وسيلة في عملية النقل مقابل أجور زهيدة.
ورغم قساوة المهنة وقلة دخلها ، فأن بعض الأبناء توارثوها عن الآباء والأجداد مثل العشريني ، أسعد حسين الذي ورثها عن أبيه بعد وفاته وقريبه ، كاظم زغير الذي يحمل صفة مراقب حمّارين لخبرته التي تمتد لنحو عشر سنوات في معامل الطابوق مرّ خلالها بجميع مراحل العمل ابتداءً من الخمّار الذي يقوم بمهمة تخمير طين الطابوق ثم حمّار وشاعول وبعدها راشوك حتى وصل الى مراقب عمل . .
14 ساعة عمل يومياً
الغريب في هذه المهنة الشاقّة ، أنها تستقطب الرجال والنساء في آن واحد، والأكثر غرابة تعمل فيها عوائل بكامل أفرادها بما فيهم الأحداث من أجل لقمة العيش .
يقول أحمد " لا تظن أنها مهنة سهلة، بل قاسية.. شديدة التعب وتشكل خطراً على الصحة ، فالعمل في معامل الطابوق يكون دائماً تحت ظروف قاسية ويمتد لساعات تصل أحياناً الى 14 ساعة يومياً بظل أجواء غير ملائمة للعمل صحياً وبيئياً."
وحصلت وزارة البيئة في وقت سابق على موافقة الأمانة العامة بعدم منح تراخيص إنشاء مجمعات جديدة لمعامل الطابوق في عموم العراق ما لم تكن هذه المجمعات تطابق الضوابط التي وضعتها وزارة البيئة في استخدام الوقود البديل وإنشاء معمل صديق للبيئة وتقليل الخطر على العاملين فيها.
وفيما يترك زميليه أسعد ورشيد يمضيان بمهمة تحميل الطابوق في العربة الخشبية التي يسحبها الحمار للوصول الى القلاب لتحميله ، يأخذنا رويداً بالمسير للوصول الى الفرن الذي يفخر فيه الطابوق تحت درجات حرارة عالية ودخان شديد ينفث من كل مكان فيقول :
" العمل في معامل الطابوق عموماً متعب وشاق وذو دخل قليل علاوة على ذلك فيه خطر كبير نتيجة الدخان ورائحة الحرق والجو الملوث ، فجميع المعامل تعمل بطرق بدائية ولا وجود لمرشحات أو منظومة بيئية يمكن أن تقلل من الخطر."
وعلى طريقة أحمد يعمل كاظم زغير منذ أكثر من عشر سنوات في معامل الطابوق متنقلاً من مهنة الى أخرى تبعاً لفرصة العمل الموجودة، فالعامل هنا لابد أن يجيد جميع الأعمال رغم بساطتها وذلك أمر يفرضه الواقع أحياناً.
يقول زغير " عملي اليوم يختلف عن أمس ، وربما يوم غد أعمل بمهنة ثالثة وهكذا ، غالبية العمال يمرون بهذه الحالة وهو أمر طبيعي ." مضيفاً " يوم أمس كنت أقوم بمهمة الشاعول، الذي يقوم بعملية إشعال النار داخل الفرن وهي عملية رغم سهولتها لكنها لا تخلو من الخطر ، أما اليوم فتراني أقوم بتحميل الطابوق في العربة لنقله الى سيارة القلابة."
ويتوقع زغير ذو الـخمسين عاماً أن يقوم بمهمة الراشوك ، الذي يقوم بـ " عملية لطش كمية الطابوق من الخارج باستخدام الطين لتسريع عملية فخره.. الأعمال كلها متداخلة ولا فرق ، المهم نجد فرصة عمل ."
نساء وأحداث
" العمل في معامل الطابوق بلا تشريعات ضامنة لحقوق العامل ويخضع لمزاجيات أرباب العمل من أصحاب المعامل " تقول العاملة أم حسن التي أضافت :
" كنساء نعمل بذات الظروف التي يعمل فيها الرجال ، لكن أقرب عمل لنا هو تحميل الطابوق في العربة أو تفريغه منها .. المهم أن نعمل ونحصل على قوتنا اليومي."
وفيما تقوم مع رفيقات لها بتحميل إحدى العربات بالطابوق بغية إيصالها الى القلاب تلتفت يميناً تارة وتارة الى اليسار أو الخلف كمن يبحث عن شيء مفقود .
هو " حسن " ولدها ذو الـ 14 عاماً ، أصغر الحمّارين في هذا المعمل يقود حماره المحمل بالطابوق الى قلاب آخر يقف في الناحية الثانية من المعمل يقول الفتى الحدث حسن :
"للسنة الثانية على التوالي أعمل مع والدتي ومع نساء قريبات لنا من نفس العائلة، يتركز عملي في نقل الطابوق من الفرن الى القلاب بواسطة الحمار وهذه أسهل مهنة ، فباقي المهن شاقة أكثر ومتعبة."
يضيف " هناك من يقوم بتحميل الطابوق في العربة، أما دوري لا يتعدى جر الحمار وحتى مكسبي المادي أقل من الآخرين ."
وأوضح أن " الظروف الحياتية هي التي جعلته يعمل بهذه المهنة التي لا مستقبل فيها غير الغبار والدخان والحرارة اللاهبة إضافة الى العمل أكثر من الساعات المقررة ."
من جهته يقول رئيس اتحاد نقابات عمال واسط كريم سلمان إن " اللجان النقابية حريصة كل الحرص على متابعة شؤون العمال في القطاع الخاص ومنع استغلالهم تحت أي ذريعة وسبب."
وأضاف " لدينا زيارات مستمرة لمعامل القطاع الخاص ومنها معامل الطابوق وفي كل مرة نؤكد على أصحاب تلك المعامل على ضرورة توفير الضمانات القانونية للعمال وتسجيلهم في دائرة الضمان الاجتماعي وهناك تعاون جيد ومقبول أحياناً."
موضحاً أن " الكثير من العمال يمرون بظروف صعبة سواء من حيث الكسب المادي القليل مقارنة بأجور العمال في المواقع والقطاعات الاخرى أو العمل لأكثر من الساعات المقررة وهذه حالة مؤشرة في أغلب المعامل لكننا غالباً ما نجد الحلول المنصفة لها من خلال التعاون مع أصحاب المعامل ."
مجمعات صناعية ولكن ؟
ويكشف رئيس غرفة صناعة واسط حيدر الطائي عن أن "معامل الطابوق في محافظة واسط تتوزع في عدة مواقع بالمحافظة على شكل تجمعات صناعية لكنها في الواقع تعاني الإهمال ومهددة بالتوقف بسبب السياسات الخاطئة وعدم الاهتمام بالمنتج الوطني ."
ويوضح " أهم تلك المجمعات الصناعية الخاصة بإنتاج الطابوق، مجمع معامل طابوق قضاء العزيزية في قضاء العزيزية وفيه 11 معملاً ومجمع معامل طابوق الدبوني (برهوجة) في ناحية الدبوني وفيه تسعة معامل ومجمع معامل طابوق العلكاية في قضاء الكوت على الطريق العام الكوت – بغداد ، ومجمع معامل طابوق الشويجة في قضاء الكوت وفيه 15 معملاً وكذلك مجمع معامل طابوق الحي في قضاء الحي الذي يعد أقدم هذه المجمعات وفيه أكثر من 12 معملاً إضافة الى عدد آخر من المعامل المنتشرة هنا وهناك ."
ويذكر الطائي أن "جميع تلك المعامل تعمل بطرق بدائية ويقوم أصحابها بالحصول على المادة الاولية وهي الطين بعد قلع التربة من المناطق القريبة ومن ثم تقطيعه وإدخاله الى الافران التي تستخدم النفط الاسود لإتمام عملية تصنيع الطابوق ويرافق عملية فخر الطابوق انبعاث غازات تجدها دائما تملأ الأفق وتؤثر على المناطق القريبة وفي ذات الوقت تسبب الأمراض للعاملين في تلك المعامل ."
ويدعو رئيس غرفة صناعة واسط، الحكومة ووزارة الصناعة بالذات الى الاهتمام بهذه المعامل التي تنشر أيضاً في عدد من المحافظات من خلال تجهيزها بمكائن تقطيع ومعدات حديثة في إنتاج الطابوق وهي ليست بالمكائن العملاقة ولا الباهظة الثمن إنما يمكن أن توفرها حتى معامل وزارة الصناعة ."
معتبراً وجود معامل في الوقت الحالي تحت الظروف الصعبة التي يمر بها أصحابها إنما هو وجود وقتي، فمستقبلها التوقف التام ما لم تمد لها يد العون والدعم والرعاية من قبل الحكومة ."
لعنة الوقود ..
ليس العمال وحدهم يعانون ، فأصحاب معامل الطابوق يشعرون بالمرارة أكثر ومروا بظروف قاهرة بسبب الإجراءات الحكومية التي لا تتوافق وطموحاتهم وأهمها ما وصفوه بـ " لعنة الوقود "، أي زيادة أسعاره إضافة الى الضرائب وأجور الكهرباء مما بات ينذر بغلق ما تبقى من تلك المعامل وتسريح العاملين فيها.
ويفسر ذلك شهيد نجم ، أحد أصحاب معامل الطابوق الذي قال " أغلب المعامل توقفت نتيجة رفع أسعار الوقود ( النفط الاسود ) من قبل وزارة النفط مما انعكس سلباً على هذه الصناعة الوطنية التي باتت بحكم المنتهية."
ويضيف " من غير الممكن أن يتم رفع سعر صهريج وقود النفط الأسود الى أربعة ملايين و500 ألف دينار بعد أن كان ثلاثة ملايين وقبل ذلك في السنوات السابقة كان يُعطى مجاناً ويتحمل صاحب المعمل فقط عملية نقله من المستودعات الى موقع العمل."
ويتهم أصحاب معامل الطابوق ما اسموه " التاجر السياسي " بالوقوف وراء رفع أسعار الوقود عدة أضعاف بهدف تعطيل هذه الصناعة وشّلها ما يتيح الفرصة لاستيراد الطابوق من إيران أو تركيا.
ويقول صفاء عزيز وهو أيضاً من أصحاب معامل الطابوق في حديث إلى ( المدى) إن "الزيادة الكبيرة من قبل وزارة النفط في أسعار الوقود المجهز لمعامل الطابوق كانت ضربة قاصمة لنا وكذلك للعاملين فيها سواء من العمال أو أصحاب القلابات التي تنقل الطابوق من المعامل الى المشترين."
وأضاف " توقف تلك المعامل أدى الى تسريح المئات من العمال وغالبيتهم لا يجدون مهنة أخرى غير العمل في صناعة وإنتاج الطابوق وهذا الأمر سوف يزيد من حجم البطالة ويؤدي الى انعكاسات كبيرة على المجتمع وعلى الدولة أيضاً ."
وعن ظروف العمل الصعبة للعمال يقول ممثل العمال في أحد المجمعات الصناعية الخاصة بمعامل الطابوق أبو مازن إن " تعودنا على تلك الظروف ولم نخشَ صعوبتها ، جل ما نخشاه أن قطع أرزاقنا بتوقف تلك المعامل جراء الاجراءات غير الصحية التي تتبع ضد أصحابها ."
ويشير الى أن " مئات العوائل تعودت على هذه المهنة بحلوها ومرها ومن غير الممكن تركها لانعدام فرص العمل الأخرى رغم أننا نعاني في الواقع من قسوة في العمل خاصة النساء والأحداث ."
واستدرك " تعودنا على ذلك وأصحاب المعامل لم يقصروا في الغالب في مساعدة المحتاجين أو الذين يتعرضون الى ظروف قاهرة لكنهم ، أي أصحاب المعامل أصبحوا يعانون الأمرّين ، تارة من الطابوق المستورد وتارة أخرى من رفع أسعار الوقود وهذا ما أدى الى خسائر كبيرة لهم تمثلت بتوقف عدد غير من المعامل ."
طابوق تركيا وإيران
واتهم أحد أصحاب تلك المعامل ويدعى أبو علي ، الحكومة وبعض ما وصفهم بـ " السياسيين الفاسدين " لأنهم يعملون على تدمير الصناعة الوطنية وإبقاء الباب مفتوحاً للمستورد الذي يعد نافذة كبيرة للفساد والسرقات والكومشنات ."
مشيراً الى أن "الضغوطات التي تمارس على أصحاب المعامل إنما الهدف منها إيقافها وفتح الباب للطابوق المستورد من تركيا وإيران ."
ويشير الى أن " إبقاء الباب مفتوحاً أمام الطابوق المستورد هو بمثابة فتح جبهة حرب ضد الصناعة الوطنية عموماً وصناعة الطابوق على وجه الخصوص التي لا يراد لها أن تقوم وتنهض إنما أن تموت وذلك جزء من السياسات التي يعتمدها الفاسدون ليس في القطاع الصناعي فحسب، بل في كل القطاعات والشواهد كثيرة."
موضحاً أن " أصحاب معامل الطابوق في محافظة واسط مع العاملين فيها تظاهروا في الفترة السابقة مرات عديدة لكن في كل مرة لا أحد يسمع صوتهم ولم يتحقق مطالبهم وأهمها أسعار الوقود ووضع ضوابط صارمة على استيراد الطابوق الأجنبي خاصة طابوق إيران وتركيا."
وكان أصحاب معامل الطابوق في العراق أعلنوا، يوم الخميس، ( الثالث من آذار 2016) عن إيقاف العمل في معاملهم لحين استجابة الحكومة لمطالبهم بتخفيض أسعار النفط الأسود، وفيما أشاروا الى تسريح نحو مليون عامل بسبب توقف العمل، هددوا بـ"تنظيم تظاهرات واسعة في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
وكانت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية دعت، يوم الأحد الـ( 7 من شباط 2016 )، إلى تخفيض سعر النفط الأسود المباع لمعامل الطابوق وإصدار قرارات لدعم تلك المعامل، فيما أكدت أن أكثر من نصف مليون شخص يعتمدون على تلك المعامل لتأمين معيشتهم.
ووجهت وزارة النفط في مرّات سابقة أصحاب معامل الطابوق باستخدام الغاز كوقود بدلاً من النفط الاسود، داعية الى استخدام منظومة الغاز في المجمعات السكنية والمصانع بديلاً عن إسطوانات الغاز، معتبرة أن الغاز من الوقود النظيف والرخيص ولا يترك ملوثات تضر بالصحة العامة وصحة الأشخاص.
ويقدر عدد معامل الطابوق التي تعود للقطاع الخاص في واسط أكثر من مئة معمل تعمل جميعها وفق آلية حرق الوقود لتسخين الأفران ، ويعمل في تلك المعامل نحو ثلاثة عشر ألف عامل بمختلف المجالات بينهم عدد كبير من النساء ، وتسد تلك المعامل حاجة المحافظة من الطابوق فيما لو توفر لها الوقود الكافي وبأسعار مناسبة مع منح تسهيلات مالية وصناعية لأصحابها لتطويرها وتحسين خطوطها الإنتاجية.
يذكر أن الحكومة المحلية في واسط سبق وأن طرحت العديد من الفرص الاستثمارية في القطاع الصناعي وبالذات في مجال الصناعات الإنشائية كون المحافظة وخاصة الأجزاء الشرقية منها تحتوي على كميات هائلة من الخامات الكلسية لكن الى الآن لم يتم الاستثمار في هذا القطاع وغيره من القطاع الصناعية الأخرى في وقت تم إيقاف قسم من المعامل الحكومية خاصة معامل الطابوق بعد وقف معملي طابوق واسط ومعمل طابوق الصويرة في السنوات الماضية مما زاد من حجم البطالة وضياع حقوق العمال.