TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: الرواية الصحفية

قناديل: الرواية الصحفية

نشر في: 24 أكتوبر, 2020: 06:02 م

 لطفية الدليمي

أعرفُ أنّ الحديث والتفكّر في شأن الرواية الأجدر بالقراءة من سواها ليس بالأمر اليسير أو حتى المُجدي؛ فالقارئ سيرتكن إلى ذائقته الشخصية أولاً وآخراً، وكما يعلم أكثرنا أن معظم القرّاء يبحثُ عن نمط خاص من النشوة التي تتكفل بها كتابات معينة وكُتّابٌ مشخّصون بذواتهم ( أو كاتباتٌ أيضاً )؛

لكني أرى أهمية انتباه قارئ الرواية الجاد إلى ضرورة تنمية حس نقدي لديه يميز العمل الرصين عن سواه، فلا ينخدع بالموضات الروائية الصاخبة التي تروج لها الإعلانات مدفوعة الثمن .

ثمة تساؤل لابد منه : لماذا يتفوق عمل روائي على شاكلة ( شفرة دافنشي ) أو ( الأصل ) للروائي ( دان براون )، وبمعايير النجاح التجاري ، على أعمال ( إيان ماكيوان ) الذي تناول في عمله ماقبل الأخير ( آلات مثلي Machines Like Me ) موضوعة تغوّل تطبيقات الذكاء الإصطناعي ؟ 

يتوق القارئ في أيامنا هذا إلى قراءة يسيرة تمدّه بالمتعة اللحظوية التي تتيح له عيشُ حلم يقظة ممتداً يبعدهُ عن منغّصات معيشه اليومي، وليس أيسر من تحقيق هذا الأمر بالاعتماد على لغة سهلة جذابة بعيدة عن مشقة التفكّر والتعمق في المعضلات الحياتية الوجودية الدائمة المتداولة أو المستجدة . 

انتشر في السنوات الأخيرة نوع من التبشير المحموم بنمط من الكتابة الروائية الأقرب إلى الكتابةالصحفية بخصائصها المعروفة: اللغة البسيطة و العبارات القصار المتلاحقة التي تصور حكاية بمشهديات بصرية من جزئيات وقائع المعيش اليومي، وقد تعزّز هذا النمط واتّسع عقب حصول الروسية ( سفيتلانا أليكسييفتش) على جائزة نوبل عام 2015 . تعاظم هذا التوجّه لدينا عندما راحت الروايات ( الصحفية) تترى بشكل محموم طمعا في جوائز الرواية العربية التي تكاثرت وصارت عاملاً لتكريس هذا اللون من الكتابة الروائية. 

لقد تزاوجت بعض الموجات الروائية ما بعد الحداثية مع نمط الرواية الصحفية، وهي في عمومها موجات راحت تصفُ نفسها أو يصفها بعض النقاد بِـ ( الفصاحة الجديدة) – تلك الفصاحة التي تسعى لإعتماد لغة السرد الروائي على نصّ مستل من قاع المجتمعات البشرية ولغتها الفجة وتعابيرها السوقية مسنوداً برؤية ديستوبية حالكة القتامة، وتوظُف هذه النصوص في العادة لغة خشنة تجري على ألسنة الشخصيات المهمومة بمتطلبات الحياة البيولوجية والغرائزية في أدنى أشكالها، وغالباً مايعمد الكاتب إلى استخدام لغة مستهزئة - أو غير عابئة في أحسن الأحوال - بالتراكمات الثقافية والفلسفية واعتبارها إنشغالات متعالية على الهمّ الفردي اليومي ومُفارقةٍ له بالضرورة، ويتجسد هذا المسعى في توظيف مفردات القبح والبذاءة وكل مايشيع في قاع المجتمع ودهاليزه المعتمة . 

الوصفة السائدة لكتابة رواية صحفية في يومنا هذا سهلة يسيرة وأقرب إلى وصفة تحضير طعام ما : إنتخب واقعة (أو مجموعة وقائع ) من التأريخ، ثم شكّلها في سياق محكية حوارية تعتمد لغة صحفية ميسّرة قادرة على اجتذاب القرّاء المتعجلين أوالذين يعيشون نوستالجيا لقراءات أيام شبابهم البسيطة، ولابأس أن تطعمها بالكثير من المفردات العامية قدر ما تستطيع، واحرص على تضمينها بعض المفردات ( الخشنة أو البذيئة !!)، حينها ستتوجُك الكثرة الكاثرة من القرّاء – ومنهم أكاديميون ونقاد- روائياً مقتدراً ومستحقاً للتمجيد والتقدير بالجوائز الكبيرة، ويساهم أعضاء لجان تحكيم الجوائز في ترويج هذا النمط الروائي الموَجَّه وإحاطته بالشهرة والاعتبارات المادية والمعنوية وهي الأهداف الأساسية لكتّاب الروايات الصحفية المتعجلة.

الرواية وسيط ساحرٌ لتمرير الأفكار الرفيعة والمعرفة ومستجدات الحياة ؛ لكنها ستكون عملاً بائساً إذا ماتوسّلت لغة وأفكاراً سطحية أقرب إلى الألاعيب الخادعة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram