TOP

جريدة المدى > عام > إدغار موران.. في مديح الفكر العابر للحدود المعرفية

إدغار موران.. في مديح الفكر العابر للحدود المعرفية

نشر في: 27 أكتوبر, 2020: 07:10 م

ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي

القسم الثاني

يُعرَفُ عن إدغار موران Edgar Morin ( المولود في الثامن من تموز 1921 )

بأنه الفيلسوف وعالم الإجتماع الفرنسي الذي ذاعت شهرته الأكاديمية بسبب عمله المتميز في المبحث المعرفي المسمّى التعقيد Complexity ( الذي يدعى نظرية الأنساق المعقّدة في الدوائر الأكاديمية الأكثر تخصصاً من الإطارات الفلسفية العامة ) ، وقد بات توصيف ( الفكر المعقّد pensée complexe ) هو الخصيصة الأبرز التي تميّز فكر موران وعمله الممتد منذ أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية .

قدّم موران مساهمات مميزة في قطاعات معرفية متباينة مثل : دراسات الإعلام ، السياسة ، السوسيولوجيا ، الأنثروبولوجيا ، علم البيئة البشرية ، التعليم ، بيولوجيا المنظومات المعقّدة ، وقد سبق له أن تحصّل على درجات أكاديمية في كلّ من التأريخ والإقتصاد والقانون ؛ ومع أنه أقلّ شهرة في العالم الناطق بالإنكليزية بالمقارنة مع شهرته الذائعة في فضاء الثقافة الفرنسية لكنه يبقى شخصية معروفة على أوسع النطاقات الشعبية والأكاديمية في العالم وبخاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية . 

موران كاتب غزير الإنتاج ، وقد نشر عشرات الكتب خلال حياته الممتدّة ، وليس غريباً أن ينشر أحياناً ثلاثة كتب أو حتى أربعة وخمسة في السنة الواحدة . آخر كتب موران هو كتابه المعنون ( دعونا نغيّر المسارات : دروسٌ مستقاة من فايروس كورونا Changeons de voie. Les leçons du coronavirus ) الذي نُشِر بالفرنسية في يونيو ( حزيران ) 2020 ، ومن المتوقع ترجمته إلى لغات عديدة . 

الآتي ترجمة لحوار مع إدغار موران أجراه معه الصحفي فرانسيس لاكونت Francis Lecompte . الحوار منشور باللغة الإنكليزية في الموقع الألكتروني للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي ( CNRS News ) بتأريخ 1 تمّوز ( يوليو ) 2019 ، وأدناه الرابط الألكتروني لهذا الحوار لمن يرغب في قراءة النص الأصلي للحوار :

https://news.cnrs.fr/articles/edgar-morin-in-praise-of-complex-thought

المترجمة

* أشتُهِر هيراقليطس بسبب مفهومه عن العالم الذي لاينفكّ يتغيّر بصورة دائمة . هل يمكن تطبيق مبدأ التغيّر الدائم على حالة التعقيد ؟

- إدغار موران : تطلّبت كتابة سلسلة كتبي ( المنهج ) قدراّ عظيماّ من الجهد البحثي والعمل التوثيقي ، وقد تطلّب هذا مني زمناً طويلاً لإنجازه على الوجه المقبول . في المقاربة الخاصة بالفكر المعقد لايمكن للمرء الركون إلى طريقة تقليدية محددة عبر إتباع خطّة ما – ببساطة - . عند دراسة المنظومات المعقّدة يمكن للستراتيجية البحثية أن تتغيّر في أي وقت عندما يتحصّل المرء على معلومات جديدة تدفعه للتطلّع إلى أفكار جديدة طيلة مسيرته البحثية . أنا من جانبي عانيتُ تغيرات كثيرة طيلة مساري البحثي عندما كنتُ أعمل على مشروعي الخاص بالنظم المعقّدة ، وعندما أبانت بعض تفاصيل مشروعي البحثي عن أهميتها الإستثنائية أجريتُ تعديلات مكثّفة على الكتاب الأول من مشروعي والذي كان بعنوان ( طبيعة الطبيعة ) بعد أن طلبتُ من أحد الرياضياتيين مراجعته لي ، ولو أتيحت لي فرصة إعادة كتابة هذا الكتاب في يومنا هذا لكنتُ أفردتُ من غير شك أهمية أعظم للثورة المفاهيمية التي جاءت بها الفيزياء الفلكية . 

نشرتُ السنة الماضية ( 2019 ) كتاباً بعنوان ( المعرفة ، النكران ، الغموض Connaissance, Ignorance, Mystère ) ، وكان غرضي من نشر هذا الكتاب بيان أنّ التفكير باعتماد مقاربة المنظومات المعقدة العابرة للحدود المعرفية ليس بالمفهوم النهائي الشامل في الكون بقدر ماهو التقريب الأفضل المتاح لنا بين التقريبات الكثيرة الممكنة . لطالما تملّكتني واستحوذت على تفكيري فكرة جاء بها بها مفكّرون قدماء ، ومفادُ هذه الفكرة : كلّما زادت حدود معرفتك زاد مقدار إدراكك لجهلك ، وتلك حقيقة تبدو واضحة بأجلى صورة في التطوّر المتسارع الذي يشهده العلم الحديث . 

* هل تضعك هذه الفكرة في جانب الفلاسفة الشكوكيين الذين يرون أن ليس من حقيقة نهائية مطلقة يمكن بلوغها ؟

- إدغار موران : كلّا بالتأكيد ! أنا لم أكتب تلك الكتب الستة في كتاب ( المنهج ) والذي تطلّب 2500 صفحة من الجهد المتواصل عبر سنوات عديدة لكي ينتهي بي الأمر فيلسوفاً معضّداً للنزعة الشكوكية ! . إنّ التحصّل على فهم مناسب لمفهوم اللايقينية لايعني تعضيداً آلياً لمبدأ الشكوكية الفلسفية ، والإعتقاد بأنّك تصبح أكثر شكوكية كلّما زادت مناسيب معرفتك لايعني تقليل شأن المعرفة التي تحصّلنا عليها والتي بفضلها عرفنا مقدار جهلنا ؛ بل على العكس تمتلك المعرفة الجديدة فضيلة تقريبنا من مدى الغموض الساحر الذي ينطوي عليه الواقع . إنّ الحقيقة العارية تتمثلُ في كون المعرفة المتزايدة بالنظم المعقدة غير قادرة على إزالة اللايقينية ولاشيء أكثر من هذا . لن نبلغ يوماً ما معرفة كاملة وشاملة ونهائية بأي شيء ، وهذه حقيقة تشبه بعض الشيء نظرية الفوضى Chaos Theory : في العديد من المنظومات الحتمية Deterministic Systems ثمة عمليات لايمكن التنبؤ بها مثلما لايمكن وضعها تحت السيطرة . 

* مثلما رأينا من التفاصيل السابقة ، إستفاد عملك البحثي من طائفة واسعة من المباحث العلمية . هل العكس صحيح كذلك ؟ هل تأثر البحث العلمي بكتابات إدغار موران ؟ 

- إدغار موران : كتبي منشورة ومترجمة ؛ لكني أرى أنّ الأفكار الأساسية المتضمّنة فيها لم يجرِ ( حتى الآن على الأقل ) تمثّلها في النظم التعليمية ، وبالإضافة لهذه الحقيقة فإنّ مايثيرُ دهشتي الإستثنائية هو أنّ العديد من المؤلفين الذين كانوا مصدر إلهام قوي في كتابة سلسلة كتبي ( المنهج ) ظلّوا ماكثين في مكان ما من الهوامش المعرفية الفاصلة بين العلوم الطبيعية والإنسانية . أشيرُ في هذا الشأن بخاصة إلى الباحثين في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين ، مثل : علماء الرياضيات كلود شانون Claude Shannon أب نظرية المعلومات ، و نوربرت فاينر Norbert Wiener الذي كان الرائد الأوّل في علم السيبيرنيتيك Cybernetics ) علم السيطرة الآلية والإتصال في الكائنات الحية والآلات ، المترجمة ) ، فضلاً عن فون فويرستر Von Foerster ، فون نيومان Von Neumann ، آشبي Ashby وآخرين . منحني هؤلاء العناصر الأساسية التي كنتُ في مسيس الحاجة لها لتشكيل نظريتي في التنظيم المعقّد ؛ لكنهم مازالوا غير معروفين كما يتوجّب بين أوساط واسعة من العاملين في الحقول العلمية والإنسانية .

* كيف توضحُ هذا الأمر ؟

- يكمن السبب في حالة التخندق المعرفي الضيق Compartmentalisation : حُسِب أولئك الباحثون باعتبارهم علماء رياضيات صرفة فحسب أو مهندسين فحسب ، ولم يكونوا يُحسَبون منظّرين في حقل النظم المعقّدة . لو عدنا إلى سلسلة كتبي ( المنهج ) فأظنّ أنّ هذا العمل البحثي لم يلقَ المعرفة الكافية بسبب الأنماط المهيمنة والسائدة من المعرفة والتفكير لافي نطاق العلوم فحسب بل في الحياة اليومية والسياسة كذلك ، وهي كلها نطاقات كانت - ولم تزل - معزولة عن بعضها ، أي أنها متخندقة في قطاعات معزولة عن بعضها . إنّ طريقتنا في التفكير تبقى ثنائية ( أي ماأفكّر فيه بمقابل مايفكّر فيه الآخرون ، المترجمة ) ، وهذه حقيقة شائعة حتى بين العلماء في مختلف المباحث المعرفية ، كما أنها الحقيقة التي توضّح السبب وراء بقاء أعمالي ذات طبيعة مشتتة بدل أن تتجذر عميقاً في ثقافتنا الحديثة . أقول معظم الأحايين أنني أشبهُ شجرة تنتثر بذورها بفعل الرياح ، وتشاء الأقدار أن تُسقِط بعض هذه البذور في صحراء قاحلة بعيدة ، ثم يحصل أن تثمر بعض ذلك ( البعض ) القليل من البذور ، ولكن أين ؟ في مناطق بعيدة للغاية ليس بمستطاع كثيرين إجتناء ولو القليل من الفائدة منها ..... 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram