ثائر صالح
تطور الكمان تدريجياً خلال القرن السابع عشر على يد الحرفيين المهرة في مدينة كريمونا الإيطالية الشمالية ليأخذ شكله الحالي بحلول مطلع القرن الثامن عشر، فهو أحد منجزات عصر الباروك.
وظهر خلال تلك الفترة عدد من المؤلفين الموسيقيين الطليان الذين ألفوا للكمان وطوروا أسلوباً متميزاً بالأناقة والجمال قلدته الأمم الأوروبية الأخرى وأخذته. فقد بدأ تقليد سفر الموسيقيين الشباب الى إيطاليا لدراسة الموسيقى واقتباس الروح الإيطالية ليعودوا إلى أوطانهم. واستمر هذا التقليد فيما بعد رغم تطور الموسيقى في الكثير من البلدان، مثلاً أسس لويس الرابع عشر جائزة روما سنة 1663، وهي منحة سنوية للرسامين والنحاتين الفرنسيين في مختلف الفنون لقضاء ما بين 3-5 سنوات في روما (إيطاليا) للدراسة والإبداع، لكن الجائزة شملت الموسيقيين أيضاً في القرن التاسع عشر.
تميزت الموسيقى الإيطالية في تلك الفترة بظهور وسيادة فن الاوبرا، بالمقابل استقلت موسيقى الأدوات وتطورت، بالدرجة الأولى بسبب ظهور الكمان والوتريات عموماً، فقد حصلت الأدوات الموسيقية والأوركسترا على شخصية مستقلة للمرة الأولى. هذا أدى إلى ابتكار الطليان معظم الأشكال الموسيقية المعروفة مثل السوناتا التي أخذت في القرن السابع عشر شكل تريوسوناتا على الأغلب، أي سوناتا ثلاثية للكمان وأداتين أخرى للمصاحبة مثل الهاربسيكورد والتشيلو (أو فيولا دا غامبا) أو رباعي إن أضيف للثلاثي فلوت أو كمان ثاني. وابتكر الايطاليون كذلك الكونشرتو بأنواعه والسيمفونية (مقدمة أو افتتاحية، لا تزال بعيدة عن الشكل اللاحق الذي طوره هايدن) وعدد من الأشكال الموسيقية التي تتميز بالتنويعات مثل الشاكون، والباساكاليا. هنا تبرز أسماء اركانجيلو كوريللي (1653 – 1713) الذي ابتكر الكونشرتو غروسّو، ولاحقاً انتونيو فيفالدي (1678 – 1741) الذي طور شكل الكونشرتو للأدوات المنفردة، دون أن نبخس من قيمة أعظم موسيقيي القرن السابع عشر الايطاليين الذين كتبوا للكمان مثل أوتشلّيني (1603 – 1680) وميرولا (1595 – 1665) وليغرنتسي (1626 – 1690).
انتقلت هذه الأشكال الموسيقية والروحية الجديدة الى النمسا الواقعة على الجهة الثانية من جبال الألب، فظهر موسيقيون كبار مثل عازف الكمان والمؤلف الكبير هاينريش إغناتس فرانتس فون بيبر (1644 – 1704) الذي يمكن اعتباره باخ القرن السابع عشر دون مبالغة (مثلما يمكننا القول إن باخ هو بيبر القرن الثامن عشر). هذا الموسيقار عاش في زالتسبورغ وله الكثير من المؤلفات التي تُدهش المستمع المعاصر اليوم في رقي وتعقيد تقنيتها في العزف على الكمان وفي جمالها ومتانة بنيانها على حد سواء. ويعد النمساوي يوهان هاينريش شملتسر (1620 – 1680) والألماني فيليب هاينريش أرلباخ (1657 – 1714 وقد التهم حريق معظم مخطوطات أعماله) بين أعظم مؤلفي الكمان في القرن السابع عشر. هنا لابد من ذكر سوناتات الألماني-الدنماركي بوكستهوده (1637 – 1707) وأعمال الإنكليزي العظيم برسل (1659 – 1695)، فهي مثال بديع على رقي موسيقى الكمان في ذلك القرن، فقد أبدعا عدداً كبيراً من سوناتات الكمان بصيغة تريو سوناتا أو سوناتا رباعية. نذكر هنا إن سوناتا الكمان المنفرد هو شكل تطور في أوروبا وليس إيطاليا على الأرجح، من أسطع أمثلته أعمال بيبر ولاحقاً باخ.
تاركينيو مرولا (1594 – 1665): شاكونا لكمانين
انتونيو برتالي (1605–1669): شاكونا
اركانجيلو كوريللي (1653 – 1713): سوناتا رقم 3 من مجموعة رقم 5. كوريللي هو من ابتكر شكل الكونشرتو كونشرتو غروسّو:
هاينريش إغناتس فون بيبر (1644 – 1704) سوناتا رقم 5. اليزابث بلومنستوك تعزف على كمان صنعه اندريا غورانيري في 1660. انتبهوا الى شكل القوس، وكيف يمسك، وخلو الكمان من وسادة الحنك وقصر الزند.
بيبر: باساكاليا، واحد من أشهر أعماله الصعبة.
يوهان هاينريش شملتسر (1620 – 1680) السوناتا الرابعة
فيليب هاينريش أرلباخ (1657 – 1714): السوناتا الثالثة وشاكونا
هنري برسل (1659 - 1695) سوناتا لأربعة أصوت
