لطفية الدليمي
حكايتي مع السوسيولوجيا ( علم الإجتماع ) حكاية ممتعة تنطوي على الكثير من الخفايا المدهشة ، ولاأجد غضاضة في الحديث عن تفاصيل محددة فيها بقصد تأكيد الحقيقة التي تقول أن بحثنا الشغوف في تأريخ الأفكار في أي ميدان معرفي يقودنا إلى معرفة شخصيات لامعة لها بصمتها الراسخة في ذلك الميدان .
أنا حكّاءة وراوية قصص وأفكار في المقام الأول ؛ لذا يكون أمراً محتّماً لي - كما لأقراني - أن أشغف بالتفاصيل الصغيرة المؤثرة في حياة الفرد وعلاقاته مع الجماعة البشرية التي يعيش معها ؛ ومن هنا كانت بداية اهتماماتي بالسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا البشرية . تمظهر إهتمامي السوسيولوجي المبكّر في قراءة كلاسيكيات السوسيولوجيا العالمية المعروفة وبخاصة الكتابات المرجعية لكلّ من ( ماكس فيبر ) و ( إيريك فروم) ، ولست أخفي هنا إعجابي الكبير بكتاب ( الأخلاقيات البروتستانتية وروح الرأسمالية ) لفيبر ، وكتاب ( أن نتملّك أو أن نكون ) لفروم ؛ أما في حقبة مابعد سبعينيّات القرن الماضي فقد شدّتني كثيراً مؤلّفات السوسيولوجي - الفيلسوف ( زيغمونت باومان ) ؛ غير أن قراءاتي في السوسيولوجيا العراقية تمحورت حول مؤلفات القطب العراقي الأشهر ( علي الوردي ) التي كانت تتّسم ببساطة محبّبة جعلتها قريبة من ذائقة أعداد كبيرة من جمهور القرّاء .
حصل في نهاية ستينيّات القرن الماضي أن وقع بيدي كتاب بعنوان ( الإنسان في المرآة : علم الأنثروبولوجي في الحياة المعاصرة ) لمؤلفه ( كلايد كلوكهون ) وبترجمة ممتازة للدكتور الراحل ( شاكر مصطفى سليم ) ، وشكّل هذا الكتاب بداية لتعشيق إهتماماتي السوسيولوجية بالأنثروبولوجيا ( والثقافية منها بخاصة ) ، وأعجبني في الكتاب تضمين الدكتور سليم لشروحات مستفيضة لكلّ المفردات والشخصيات التي جاءت في الكتاب وعلى نحو جعله مرجعاً ممتازاً يختلف عن المنشورات التقليدية لانه كُتِب بطريقة جعلته قريب الصلة بحياة الفرد وليس على الطريقة الأكاديمية المتيبّسة السائدة في أوساطنا الجامعية ، وفي الوقت ذاته كان بعيداً عن التبسيطات المُخِلّة التي تتناغم مع المواضعات السائدة المتكلّسة في اللاوعي الجمعي .
تطوّرت المباحث السوسيولوجية المعاصرة لتكون خلطة معرفية متعددة التوجهات في النظرية الإجتماعية ، وقد غدت المقاربة متعددة التوجهات هي المسلك المعتمد في كل الدراسات الثقافية والعلمية من خلال توظيف مفهوم الأنساق أو النُظم Systems لأجل الكشف عن التشابكات الدينامية بين الفرد والتكوينات الإجتماعية الهيكلية السائدة .
تابعتُ في ثلاث سنوات الأخيرة قراءة بعض المصنّفات السوسيولوجية ، وأودُّ هنا الإشارة بشكل خاص إلى كتاب ( في علم إجتماع المعرفة ) الذي نشرته دار المدى ، وهو في الأساس رسالة الدكتوراه التي قدّمها الراحل علي الوردي لنيل الدكتوراه من جامعة تكساس ، وقد جوّدت الدكتورة ( لاهاي عبد الحسين ) في ترجمته الرائعة . ثمة أيضاُ كتاب ( نهاية العالم كما نعرفه : نحو علم اجتماعي للقرن الحادي والعشرين ) لمؤلفه ( إيمائوئيل فالرشتاين ) ، وكتاب ( علم الإجتماع ) لمؤلفه ( أنتوني غيدنز ) واللذان ترجمهما الراحل الصديق ( د. فايز الصياغ ) بطريقته الإحترافية المعهودة . لايمكن أيضاً التغافل عن الكتب المرجعية العديدة والمهمة للمؤرخ الراحل ( إريك هوبزباوم) ، وهو وإن كان مؤرخاً لكن كتاباته مشحونة بحمولة سوسيولوجية رائعة ، وأراني مدفوعة للإشادة الكبرى بسيرته الذاتية ( عصر مثير ) التي نشرتها دار المدى ؛ فهي مثال نموذجي للكيفية التي تغدو بها حياة فردٍ ما متأثرة بطريقة ديناميكية فاعلة بالمؤثرات التي شكّلت العصر الذي عاشه .