TOP

جريدة المدى > عام > ثيمات التحول فـي قصة المسخ لفرانز كافكا

ثيمات التحول فـي قصة المسخ لفرانز كافكا

نشر في: 9 نوفمبر, 2020: 05:47 م

كتابة / إيما بالدوين *

ترجمة / أحمد فاضل

على الرغم من أنه عاش وتوفي منزوياً ، إلا أن فرانز كافكا (1883-1924) ، تمكن من أن يصبح أحد أكثر المؤلفين تأثيراً في القرن العشرين ،

فمن خلال التقاط مشاعره ومخاوفه على مجمل ما كتبه ، فقد ركزت أعماله بشكل مكثف على الأفراد وعلاقتهم بالمجتمع ، وهو الشعور الذي سيطر على النصف الأخير من القرن العشرين ، وبينما يسبق التحول إلى العصر الذي حاولت فيه الأيديولوجيات الشمولية تسخير الفرد لاحتياجات الجماعة ، رأى كافكا بوضوح كيف أن الحياة الحديثة تتطلب إخضاع الإرادة لمطالب المجموعة ، سواء من خلال الحاجة لكسب العيش أو الحفاظ على التقاليد الاجتماعية ، وبحلول الستينيات من القرن الماضي ، أصبح تصويره للثقل الساحق وعدم الجدوى المطلق لكونه ابناً وأخاً صالحاً للشباب الذين يحاولون خلق عالم أفضل قائم على الفردية والإبداع والعفوية ، في حين أن آليات التوافق قد تغيرت عن أولئك الذين طحنتهم الحياة بآلتها المدمرة حروب ، مجاعات ، قتل وتشرد .

تتنقل قصته " المسخ " من العزلة إلى المسؤولية الأسرية وتتطرق موضوعاتها إلى ما يعنيه كافكا أن تكون إنساناً وما يحدث عندما يتوقف من حولك التعامل معك على هذا النحو ، في " المسخ " تصبح التأثيرات المنفردة للمجتمع الحديث ملموسة عندما يستيقظ ذات صباح مندوب المبيعات المتجول جريجور سامسا ليجد نفسه وقد تحول إلى حشرة شنيعة ، فيستمر في حالة الإنكار ويظل قلقاً بشأن كيفية إعالة أسرته ، في البداية تحضر له أخته الطعام وتنظف الغرفة وتظهر له بعض الاهتمام ، لكن سرعان ما تتدهور حالته الجسدية وتفقد الأسرة صبرها ، هنا يقرر غريغور التوقف عن إثقال كاهل الأسرة فيموت .

ومع أن جزءاً كبيراً من " المسخ " يعتمد على علاقة فرانز كافكا المضطربة بوالده ، إلا أن القصة تتطرق إلى مجموعة واسعة من القضايا : الاكتئاب المنهك ، والاشمئزاز من الجسد ، والطبيعة الخانقة للأعراف الاجتماعية والأسرية ، لينشأ داخلها رعب من التوتر بين عبثية الموقف ونبرة الراوي النزيهة ، وبصفته يهودياً يتحدث الألمانية في براغ ذات الأغلبية الناطقة بالتشيكية ، كان كافكا غريباً مرتين في المجتمع الذي يعيش فيه ، تمرده على واقعه ، وفشل " المسخ " فشلاً تجارياً عندما نشرت في عام 1915 بسبب عدم تقبل أفكاره الكابوسية ، فأمر صديقه ماكس برود بحرقها هي ومجموعة أخرى من أعماله ، لكن الأخير تجاهل رغبة صديقه ما سمح لنا التعرف على ما سيكون لهذا الكاتب العبقري من تأثير ، وإلى ولادة مصطلح جديد هو " كافكا " .

التحول 

الموضوع الأول والأكثر أهمية في " المسخ " أو " التحول " ، هناك هو التحول الأساسي في الرواية وهو تحول غريغور الإنسان إلى حشرة كبيرة ، ومع تقدم أحداثها ، يكافح غريغور للتشبث بإنسانيته ، وتنزلق منه عندما يتحول إلى الأشياء التي تجلب له في شكله الجديد يجد ملاذاً في الأماكن المظلمة ، ويفرح في الزحف على الأسقف والجدران ، ولا يقدر إلا على هضم الطعام الفاسد .

بالإضافة إلى ذلك ، هناك التحول الذي يمر به أفراد عائلته يظهر بشكل بارز في جريت ، أخته ، في البداية كانت تهتم باحتياجات غريغور وتطعمه وتزوره ، ولكن مع مرور الوقت تكبر جريت وتتغير أولوياتها يصبح من الأسهل على الأسرة تجاهل حقيقة وجود غريغور بدلاً من الاستمرار في الاهتمام به .

الانفصال 

يجلب تحول جريجور معه سلسلة من التحولات العاطفية والعقبات التي يتعين عليه التغلب عليها ، العامل الرئيس هو الانفصال عن عائلته ووظيفته ودوره السابق باعتباره المعيل الرئيس ، ينفصل غريغور عن إنسانيته السابقة بشكل عام وعن شخصيته السابقة ودوره على وجه التحديد ، غريغور أيضاً معزول جسدياً في غرفته الشبيهة بالزنزانة ومن هناك ، منفصلاً عن الأسرة ، يستمع إلى استمرار حياتهم بدونه .

المسؤولية

عندما اكتشف غريغور لأول مرة أنه لم يعد في جسده البشري ، كان أول تفكير له هو عائلته ، إنه يشعر بالقلق على الفور من أنه لن يتمكن من الوصول إلى العمل في الوقت المحدد وسوف يفقد وظيفته ، الصفحات الأولى من الرواية مكرسة لنضال غريغور لإجبار جسده الجديد على فعل ما يمكن لجسده القديم بسهولة ، فيهتم بمسؤوليته تجاه أسرته ، لتسديد ديون والده وإعالة أخته وأمه ، هنا يجب على القارئ أيضاً أن يفكر في المسؤولية التي تتحملها أسرته تجاهه بعد تحوله وكيف لم يوفوا بها ، وتسديد كرمه .

تقنياته 

تمت كتابة " المسخ " في الأصل باللغة الألمانية 

وهذا يعني أن بعض التقنيات السردية ستضيع أو تُبتكر في الترجمة إلى الإنكليزية داخل الرواية ، يمكن للقارئ القريب أن يجد أمثلة على الاستعارة والسخرية والرمزية ، الأول في هذه القائمة ، الاستعارة ، هي مقارنة بين شيئين مختلفين لا يستخدمان ، موجودان أيضاً في النص ، فعند استخدام هذه التقنية ، يقول الكاتب أن شيئًا ما هو شيء آخر ، فهما ليسا متشابهين فقط ، إنها مهمة جداً في هذه الرواية وتواجه القارئ على الفور ، تم نسج موضوع السجن في جميع أنحاء القصة ، تكشف الاستعارات للقارئ أن غريغور هو في الوقت نفسه سجين المجتمع والمال وعائلته ، والأكثر وضوحاً ، بجسده الجديد ، إنه محاصر بطريقة أو بأخرى ، لكن سجنه متنوع ،

مثال آخر أقل وضوحاً هو الطقس ، لحظة واحدة ، على وجه الخصوص ، تتبادر إلى الذهن في بداية القصة عندما يستيقظ غريغور ، ويشير إلى أنه يستيقظ متأخراً ، ويشعر بالضعف ، ولا يزال هناك " مثل هذا الضباب " في الخارج ، ضباب كثيف على المدينة ، إنه كئيب ، مظلم ، يحجب الدفء والنور ، يتم استخدامه كاستعارة وإشارة إلى ما سيأتي ، يكمن مستقبله في المنزل ، وليس خارجه ، وسوف يكون الظلام مثل الطقس في ذلك الصباح .

الرموز في التحول صورة المرأة

" المسخ " ، واحدة من أكثر الرموز المؤثرة في صورة المرأة على جدار غرفة غريغور ، في الصورة ، ترتدي فراء وقبعة وبوا ، من غير الواضح من يجب أن تكون ، لكنها هناك لتذكير بمستقبل غريغور الضائع ، ودفء رفقة البشر ، وإنسانيته البعيدة ، أكثر من أي شيء آخر ، حقيقة حصوله على الصورة وتعليقها والإعجاب بها بينما كان لا يزال بشرياً أمر مهم بالنسبة له ، وعند إزالة الأثاث من غرفته ، يبدأ غريغور في الذعر ، يلجأ غريغور إلى الصورة باعتباره الشيء الوحيد الذي سيقاتل من أجل الاحتفاظ به، إنه يائس في هذه اللحظة ، ومن خلال أفعاله ، يجب على القارئ تفسير الحاجة إلى التمسك بقطعة من إنسانيته .

غريغور كحشرة

والمخلوق الذي يتحول إليه غريغور ، والذي يشار إليه أحياناً باسم حشرة عملاقة ، يمثل الحياة التي يعيشها بتحولاته ، وأصبحت ضمن يومياته بمجرد أن يتم تحويله .

طعامه

يعتبر الطعام رمزاً لما تبقى من احترام عائلة غريغور لابنهم ، جريت الشخصية الثانوية الأكثر أهمية في الرواية ، تأخذ على عاتقها مسؤولية الإطعام والتحقق من غريغور، يرجع إلى جريت أنه قادر على تناول الطعام والحفاظ على جزء من إنسانيته ، في البداية اعتقدوا أنه سيأكل نفس الأشياء التي كان يفعلها عندما كان إنساناً ، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه قادر فقط على تناول الطعام الفاسد ، مع مرور الوقت ، تفقد الأسرة الاهتمام بغريغور فتوقفوا عن إطعامه وأجبر على المعاناة من الجوع .

* إيما بالدوين ، تخرجت الكاتبة والناقدة الأمريكية إيما من جامعة إيست كارولينا بدرجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية ، وتخصص ثانوي في الكتابة الإبداعية ، ولمنتدى بواو الآسيوي في الفنون الجميلة ، ودرجة البكالوريوس في تاريخ الفن ، الأدب هو أحد أعظم اهتماماتها التي تسعى وراءها في تحليل الكتاب .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram