TOP

جريدة المدى > عام > الشاعرة الهولندية أناماري أستر تحصد الجوائز بنصوصها الشيطانية

الشاعرة الهولندية أناماري أستر تحصد الجوائز بنصوصها الشيطانية

نشر في: 9 نوفمبر, 2020: 05:56 م

امستردام: صلاح حسن

مع إن هذه القصيدة الطويلة الباهرة لا تستدعي أسطورة معينة بقدر ما تصنع أسطورتها الخاصة بها ، وهي أسطورة يومية تستمد وقائعها من الحاضر والمعاش ،

لكن اللغة التي تستخدمها الشاعرة في هذا النص المكون من ثمانية أجزاء تقلب موازين اللغة وتدمر وظائفها الاجتماعية والجمالية . السرد الشعري في نص آناماري أستر ( باطن منكب التيس ) ترجمة حازم كمال الدين دار نشر فضاءات 2020 ، منفلت ولا تردعه أية حواجز حين يقوم بأنسنة الأشياء بطريقة برية أن صح القول ، فهو لا يتقيد بأية قاعدة لغوية أو فكرية أو حتى اخلاقية . 

هذا السرد أو الحكاية الشعرية يرصد حالة ثلاثة أشخاص كلهم يعيشون أزمة نفسية واجتماعية وحضارية في الوقت نفسه . مينانا المرأة الشابة وزوجها الصموت كما تصفه الشاعرة وعزام الشاب المغربي الذي يصفه النص بنصف إله ونصف إنسان ونصف حيوان ، حيث تتعلق الزوجة الشابة بالمغربي عزام وتهجر زوجها من أجله ، بل تترك بلدها وكل شيء وتذهب معه إلى المغرب من أجل الحصول على أكبر قدر من اللذة الحيوانية التي لا تستطيع الفكاك منها ، تلك التي يقدمها لها عزام بكل وحشيته وقسوته وخطورته ونتانته .

" فزعا أرتفع الجدار الضرير في ذلك الشارع / واجهة جانبية لزريبة أصبحت طللا . / لم أبصر إلا بمرور الوقت الظل الذي رماه / والشعارات التي على جسده المفتت / صفائح ، صناديق مبتلة داهمها النوم قريبا من قدميه / منشورات مهملة ، بساط بشظايا من زجاج / خزان صرف صحي كنت أشم / صرير حياة كنت أسمع " .

في الجزء الثاني من النص تصف الشاعرة علاقة الفتاة الشابة المتلهفة لعلاقات جنسية غريبة وحيوانية مع عزام الذي هو نصف إله ونصف إنسان ونصف حيوان في بيته المتهدم " الماضي " والذي يجدد من خلال إعماره " المستقبل " لكنها في النهاية تشعر بتأنيب الضمير . إن إغراء عزام لمينانا لا يقاوم ، مع أنها تعرف أنه خطر ونتن وعنيف ، ولكنها لا تستطيع السيطرة على نفسها وهي تعرف أنها في خطر .

"ذات لحظة / متصاعدين وصاخبين / وصلنا فسحة أخرى / منخفضي الرؤوس / هناك بزغ فمه ، فمه الذي عبأني / ببذور الطماطم ، ذهبت معه إلى فسحة متوارية أخرى / حينما قدمنا ، كنا ناضجين ، وكنا نسيل على وجنات بعضنا / على أفخاذ بعضنا ." 

في الفصول المتبقية تزداد اللغة شراسة وعنفاً وعرياً ، يوازي العنف الذي يكتنف الحكاية الشعرية في مساراتها المتقلبة وتعقيدها الذي يشبه الخرافة ، بحيث يصبح القبح ممراً للعملية الجنسية ويكاد أن يكون سبباً جوهرياً للقيام بها وبطريقة حيوانية مقصودة . " عزام ينشب فكه في مفاصلي ، سيشقني ويهضم نخاعي / وفي خضم نزيف الدم كله سأرتشف قعر مائه " . 

تتناول القصيدة الطويلة هذه أكثر من فكرة وأكثر من شخصية ، فلو قمنا بتحليل هذه الأفكار أو المواضيع فأننا سنجدها تتمحور حول العاطفة والجنس والخمر والخصوبة ، البرية ، التلوث ، الليل . ولو قمنا بوصف أبطال القصيدة فهم مينانا الزوجة الشابة المترعة بالعاطفة الجنسية والتائقة إلى حياة برية خارج أية قوانين أخلاقية أو أجتماعية ، عبث ، مجون ، تلوث . أما البطل الثاني فهو الصموت " زوجها " الذي يتقبلها كما هي بعدل كل العبث الذي مارسته مع عشيقها عزام . البطل الثالث الذي نجد وصفا له في القصيدة بوصفه نصف إله ونصف بشر ونصف حيوان يكاد أن يكون محور القصيدة . هذه الطبائع الثلاث تحضر كل واحدة على حدة في أجزاء القصيدة بشكل متفاوت ، ومرات أخرى تحضر أكثر من طبيعة ، خصوصا الطبيعة البشرية والطبيعة الحيوانية ، لكن في نهاية النص تهيمن الطبيعة الحيوانية بشكل كامل على عزام بعد أن يشعر إن العلاقة مع مينانا توشك على الانتهاء ، خصوصا وهي حامل منه.

" هل خنق خوف لا أساس له الطفل الغض؟ / هل أنفجر عزام حقاً بمثل تلك الطريقة الحقيرة / هل أرتجفت أكثر مما ينبغي عند ذلك الأفول ؟ " . الطفل الغض يعني هنا الإجهاض ، وانفجار عزام هو موته الرمزي أو الحقيقي ، والأفول هو الصدمة من موت عزام الرمزي أو الحقيقي . 

" طلبت من الصموت / دعنا نتحدث عن قشرة النار ، لعلي أحمل رماداً / في رئتي وأطلب منك : إبق معي " . هكذا تنتهي القصيدة بطلب المغفرة من الزوج الصموت ونسيان الماضي والعبور على الزمن .

حصلت قصيدة أناماري أستر هذه على جائزة هرمان دي كوننك الهولندية كأفضل كتاب شعري لسنة 2013 . وقد وصفت لجنة الجائزة أسباب منحها الجائزة " نادراً ما يظهر مثل هذا الوصف لعلاقة حب شبه شيطانية في الشعر الهولندي " . سبق لأناماري أن فازت بنفس الجائزة في العام 2011 عن ديوانها " أشواك النار " وبعد ذلك حصلت على جائزة يان كمبرت عام 2018 عن ديوانها " مساء الأرض الحرام".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram