علي حسين
وكأن العراق قد تخلص من كل مشاكله الاقتصادية والسياسية ومن أمراض ساسته، ولم تبق له إلا قضية مجالس المحافظات التي حولت محافظاتها الى مدن تغار منها سنغافورة ودبي وطوكيو! بين الحين والآخر يثار سؤال مهم: ماذا فعلت مجالس المحافظات في الوطن؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال الذي يحيّر ملايين العراقيين، اسمحوا لي أن أنقل لكم عبارة مثيرة و"عظيمة" قالها قبل أيام مستشار مجلس النواب لشؤون المحافظات وهو يبشرنا "جزاه الله خيرًا" بأن مجلس النواب لم يلغِ مجالس المحافظات بل حلها، وبدأ يراقب أوضاع المحافظات دون وجود هذه المجالس وينظر فيما إذا كان قرار حلها إيجابيًا أو سلبيًا؟، وأعتقد أنه، مع مثل هذه التصريحات غير المسؤولة، من حقّ العراقيين أن لا يبالوا باجتماع برلمانهم الموقر، وأن لا يقعوا في غرامه، والسبب لأن بضاعته قديمة وبالية، ولا تناسب مطالب الناس بالعدالة الاجتماعية وبالإصلاح السياسي، فهي بضاعة مزيفة لا يمكن لمواطن ذكي أن يقتنيها.
قبل أكثر من نصف قرن رأى السياسي والحقوقي الراحل حسين جميل، أن العراق بحاجة إلى مجلس للخبراء يراقب عمل المجالس المحلية، فقد رأى سياسيُّنا الكبير، الذي عاش أكثر من تسعين عامًا، أن المجالس المحلية، لا يجب أن تكون لها صلة بالتشريعات وإصدار القوانين وإنما مهمتها خدمية، لأنّ الكثير من أعضائها يجهل أو يتجاهل مسؤوليته الحقيقية.
كان "خادمكم" قد صدّع رؤوسكم في هذا المكان عن المسؤولين في الغرب وهم يقدّمون استقالاتهم لأنّ أمرًا بسيطًا حصل، فيما هذه البلاد لايراد لها أن تغادر الوجوه الكالحة التي وضعتها على قائمة البؤس العالمي.
كان الناس يتطلعون "لتشييع" الوجوه الكالحة لأعضاء مجالس المحافظات إلى مثواها الأخير، وأن يهدي الله الكتل السياسية والحكومة المركزية إلى اختيار محافظين تتوافر فيهم صفات الشهامة والرجولة والسمعة الطيبة، محافظين يدافعون عن الناس وليس عن مصالحهم الخاصة، ويحتمون بالحصانة الوظيفية ضد الفساد، لا أن يستثمروها في الرقص مع الفساد، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكنّ روائح فسادهم الكريهة ملأت أروقة مؤسسات الدولة، وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحوّل بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس البسطاء، محافظين واعضاء مجالس محافظات يحتمون بالمناصب والوجاهة الاجتماعية والسطوةفي الوقت الذي يشتكي فيه المواطن من البيروقراطية القاتلة، وانتشار الفساد المالي والإداري وتفشي الرشوة والمحسوبية، القائمة تطول لمجالس محافظات أصبحت أشبه "بخيال مآتة" بالنسبة للمواطن، لكنها في الوقت نفسه تحولت إلى مقاطعة "سُجّلت" طابو باسم المحافظ ورئيس مجلس المحافظة والمحسوبين عليهم.
لعل الخطير في تصريح السيد المستشار أن هذا البرلمان " الكسيح " عوّدنا على اختراع اكاذيب، ثم محاولة تحويلها إلى واقع هدفه التوسع في مشروع " العصابات الرسمية " التي تسرق وتقتل وتزور بأوامر رسمية .