عمــار ســاطع
في خِضم الاهتمام الذي تناله اللعبة الشعبية الأولى في العالم، كرة القدم، كونها تُعد واجهة حقيقية، كما تراها كل إدارات الأندية ودون استثناء يُذكر، فإن ألعاب أخرى تحظى بقدر جيد من المتابعة، تعاني الأمرّين، وربما تكاد أن تكون هامشية بعيدة عن الأضواء بسبب الهيمنة التي أحدثتها الانتقالية الثقافية الغريبة لدى كل القائمين على الأندية الرياضية، وصلت الى حدِّ قتل ألعاب عدة، نتيجة قلة الأموال من جهة أو بهدف إعطاء الفرصة لكرة القدم حتى تكون هي في الأولوية وفي الواجهة.
صراع يواجه أهل الألعاب الجماعية أو الفردية الأخرى نتيجة الافتقار الى الأموال الكافية أو صعوبة تأمين المصاريف الخاصة بعقود المدربين واللاعبين ورواتبهم الشهرية التي تأخذ من الميزانية الكثير من المبالغ وتلتهم من الخزينة أرقاماً خيالية، كيف لا وقد أصبحت إدارات الأندية تخصّص ميزانية تقبض على ألعاب كانت الأندية ذاتها مهيمنة على ألقابها وكانت محطّة مهمة لتخريج اللاعبين الأبطال ودفعهم لصفوف المنتخبات الوطنية، قبل أن تصبح ثانوية فجأة أو تُذبح بسكين أعمى بسبب افتقار الإدارات الى الكياسة الكافية أو افتقارها الى الرؤية الصائبة والتخطيط السليم.
سأحدّثكم عن أندية أعتبرها قلاع خصبة للعبة كرة اليد، بل وموقعٌ لإبراز قدرات النجوم الأفذاذ، وربّما مدارس حصينة قدّمت أجيالاً تميّزت ومثّلت العراق على مدار أعوام في المحافل الخارجية، وواصلت هيمنتها على مواقع متقدّمة في خارطة البطولات المحلية في الدوري والكأس، وكانت لها الكلمة الفصل في الارتقاء باللعبة الجماعية الرابعة من حيث الجماهيرية والمتابعة، فَتَخيّلوا أن أندية مثل الكرخ البغدادي وديالى والنجف وحتى الطلبة، أضحت تواجه معضلة وصعوبة كبيرة بتشكيل فرق لكرة اليد كانت لها بصمات رائعة في تأريخ اللعبة، قبل أن تقوم بتسريح لاعبيها ومدربيها!
فالكرخ النادي، صاحب الرقم القياسي بعدد مرّات الفوز بدوري كرة اليد لـ 18 منذ انطلاقة الدوري في الموسم 1978-1977 وحتى الآن، قرّرت إدارته منذ الموسم الماضي إلغاء فريق كرة اليد، ووصيف الموسم قبل الماضي، بسبب قلّة الموارد المالية وتضاربت الآراء حول دعم وزارة التربية للنادي من جهة وعدم منح كامل العقود للمدربين واللاعبين ووصلت الى المحاكم، وغرق النادي بديون العقود المالية منذ سنوات، الأمر الذي دفع إدارة النادي الى معاقبة فريق كرة اليد بإلغائه وعدم تشكيله، وإضاعة جهود تمتّد لأكثر من 35 عاماً من الانجازات والألقاب، وإبقائها على رفوف الماضي وتاريخ الاستذكار الجميل.
أما نادي الطلبة الذي عاد، الموسم الماضي الى المسابقة، عقب غياب استمر لأكثر من 21 عاماً عن المسابقة، بتشكيلة فريقٍ لكرة اليد، قرّرت إدارته، على حين غرّة وقبل انطلاق الموسم الحالي، تجميد فريقها، الحاصل على أول لقب للدوري، ليهدر فرصة العودة التاريخية، بسبب ضعف التمويل من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حالها من حال فريقي ديالى والنجف، وكلاهما بعيدان على مسرح الأحداث، بل وإن مشاركتهما في دوري الموسم الجديد غير محسومة، مع التأكيد أن الناديين يواجهان مصيراً مقلقاً قد يطيح باللعبة فيهما، بسبب معاناة وتهميش غريب للدور الذي لعبته كرة اليد عندهما، فضلاً عن غياب الاهتمام والافتقار الى الجهات الداعمة والمساندة.
إن ما يحدث اليوم هو قَتلٌ واضح لكرة اليد في مراكز انتشرت فيها هذه اللعبة وأصبحت محطّة من المحطات الإيجابية في تكوين مدارس هيمنت على الساحة طيلة 43 عاماً، وكانت ملاذاً لهواة اللاعبين قبل أن يصلوا الى مرحلة الاحترافية، مع يقيني بوجود فرق أندية اخرى كالشرطة والجيش والفتوة الموصلي والسليمانية وكذلك البحري البصري من تلك التي أسهمت في صناعة ماضٍ تليد لهذه اللعبة، لكن الواقع يحتّم علينا قول كلمة الحق في ضرورة الإسراع بمعالجة الموقف، ورأب الصدع الحاصل في غياب فرق الكرخ والطلبة رسمياً وديالى النجف بشكل غير مؤكد عن مسرح مسابقة بحاجة لهذه الفرق المؤثرة والمهمة على أجندة اللعبة!
أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت الى إدارات الأندية في إيجاد الداء الكفيل بإنهاء حقبة الإرباك والمرض الذي ضرب معاقل تاريخ كرة اليد عندها، والتفكير فيما بعد لإعادة هيبة اللعبة لهذه الأندية التي تملك قدرات وامكانيات واسماء صالت وجالت وتألقت في تاريخ كرة اليد العراقية.