TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: بلد المستشارين

العمود الثامن: بلد المستشارين

نشر في: 11 نوفمبر, 2020: 10:06 م

 علي حسين

هل يُمكن لشخص يحكم بسلطات مطلقة أن ينجو من الفساد الذي تولّده هذه السلطة ؟ هذا السؤال ظل يؤرق الكاتب الكولومبي الشهير ماركيز حتى أنه يقول ماركيز لصديقه يلينيو مندوزا "ما من مسؤول فاشل يمكنه أن يحكم إنْ لم تكن هناك بطانة تهتف لكل فعل يقوم به، لا تنظر إليه إلا عبر صورة رسمتها له، على رغم تناقضها الكلي مع صورته الحقيقية عند الناس".

يعيش المسؤول في عالم من الوهم ينسجه له المقربون من حوله.. يصنع عالمه الخاص ويعيش فيه، ويتوهم أن سنين حكمه فترة ازدهار للبلاد ، اليوم نحن نعيش في بلد المستشارين ، البعض منهم لم يبلغ سن الفطام السياسي فنجدهم بلا واجبات ولا مسؤوليات تجاه هذا الشعب، بل "منّة " إذا تنازل المسؤول وتمشى وسط حماياته في أحد الشوارع، ومنّة إذا تواضع وتحدّث مع الناس عبر سياج من الحمايات المدججين بالسلاح، ومنّة إذا تكرّم وحضر اجتماعاً للبرلمان ليناقش قانوناً يهم الملايين، ومنّة إذا وافق أن يصافح المختلفين معه في الرأي.

إن نيل المكاسب هو القيمة التي تسود ويعمل على شيوعها وتعميمها أولئك الذين يعتبرون الولاء بديلاً للخبرة والمعرفة والوطنية، ومع إن هذا الولاء قد يرتدي قناع الحزب الذي يصنعه الحاكم أو يستخدمه لتصنيع نفسه، وليس من المستغرب أن يرى المسؤول الفاشل أن القرابة او الداقة هي الضمان الأول للولاء، ولهذا يكون أقرباؤه واصدقاؤه هم حاشيته وهم أول المستفيدين، تعمل الحاشية على إيهام الحاكم بأنه محبوب من الجماهير ومجده يصدق إنه كائن مطلق العبقرية، يعرف كل شيء. وهو لا ينتقي للناس ما يناسبها بل ما يريد لها. ولا يسألها رأيها في حياتها بل يفرض عليها الحياة التي يريد.

مشكلة المسؤول الفاشل بد في انعدام الوعي، وفي انعدام التواصل مع الآخر، وفي عدم الثقة بالجميع وفي الاعتقاد بأن خطبه يمكن أن تكون بديلاً للمدارس والطرقات والصحة والأمن والرفاهية الاجتماعية.. في بلد ا الجميع يتقاتل على حقائب مليئة بالمناصب والغنائم.. وفي هذا التهافت ينسون أن هناك شعباً يعيش على حافة الخطر...

في بلدان "الكفار" يؤدي المستشارون أدواراً أساسية في تحديد سياسة الدولة، فالرئيس ومعه رئيسا الوزراء والبرلمان والوزراء يصغون الى مستشاريهم، حتى أن الخطط والسياسات ترتبط باسماء المستشارين من أمثال ريجيس دوبريه، وهنري كسينجر، وجاك اتالي، وفوكوياما، الذين يقدمون خبراتهم لخدمة الدولة، وكان ديغول يستشير أندريه مالرو وفرانسو مورياك وبول فاليري، ولهذا أنا أشعر بالخيبة كلما دخل مستشار من عيّنة حنان الفتلاوي وما شابهها مقر الحكومة ! .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    شكراً لهذه المقالات الكبيرة

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram