ترجمة : عدوية الهلالي
منذ وقت ليس ببعيد ، كان إنجاب فتاة أشبه بلعنة ، لأنه كان يعني بداية سيئة في الحياة ، فالفتاة لاتشعر بأنها مرغوب بها فهي لاتلاقي قبولاً حسناً من المجتمع ومحكوم عليها بأن تبقى خاضعة وتابعة دائماً ..
ففي نهاية الخمسينيات ،وهي الفترة التي تدور فيها أحداث رواية كاميل لورنز الجديدة التي حملت عنوان ( فتاة ) والصادرة عن دار غاليمار للنشر في 242 صفحة ، كان مجيء الطفلة (لورانس ) الى الدنيا بدلاً من (جان ماتيو ) الذي طال انتظاره وتوقع الجميع مجيئه ، قد أحدث صدمة كبيرة ، واعتبرت عائلة باراكيه ذلك حظاً سيئاً..في تلك الفترة ، كان تعليق والد الطفلة قاسياً عندما يتم سؤاله عما اذا كان لديه أبناء ، إذ يجيب قائلاً دون أن يدرك معنى إجابته : " لا" مضيفاً لايضاح إجابته :" لدي ابنتان " مايعني أن إنجاب الفتاة لم يكن يعني لهم شيئاً.. من المثير للاستخفاف اذن القول إن مسألة الجندر التي تثير حالياً الكثير من النقاشات والنضال النسوي قد حسمت منذ البداية ، ومنذ أن نصت القاعدة النحوية على أن يسود المذكر على المؤنث دائماً ..
في التاسعة من عمرها ، شعرت لورانس باركيه بألم مزدوج يجمع مابين الإحساس بالعزلة والعار الذي تغطيه بالصمت التام ..فقد كانت تتعرض غالباً لملامسة الكبار ومداعبتهم لها بطريقة تثير اشمئزازها وكانت واثقة من أن ذلك يتم أمام أعين البالغين من أسرتها لكنهم لايتدخلون لحمايتها وكل مايفعلونه هو إصدار الأوامر لها بعدم قول أي شيء وعدم السماح لها بابداء أي تصرف أو رد فعل مناسب ..
وعندما تكبر ، تلمح الرغبة والجشع في نظرات الرجال الى جسدها ،وفي سن الثالثة عشرة ، تكتب كاميل لورنس :" يمتزج لدي الملل مع الخوف " بعد أن تظهر عليها ملامح المراهقة التي لم يهيئها أحد لها فتعيشها بدهشة وفزع ..وفي خضم هذا العذاب، يطاردها سؤال بلا إجابة حقيقية:" ماهو الحب ؟"
وفي منتصف الرواية بالضبط ، يظهر الرجل الأول في حياتها ، المحب ، الذي تكتشف من خلاله اللذة ..هذه الأرض المجهولة ، ويصبح زوجها المستقبلي ، وبحكم الامر الواقع ، سيكون عليها ان تبدل اسمها لتحمل اسم عائلة زوجها ، وهو مايجعلها تشعر كمن يستبدل ملابسه القديمة بملابس جديدة ، فمن " ابنة فلان " الى " زوجة فلان " ، وكل ذلك من أجل الحالة المدنية والمجتمع ، وبعد أن تتحول الى زوجة وتتقبل الواقع الجديد ، تأتي مرحلة تحولها الى أم ، وهنا تحدث المأساة ، إذ يجبرها والداها على تغيير طبيب أمراض النساء تحت ذرائع كاذبة فتسير ولادة ابنها بشكل سيئ وتفقده ،وهذه النقطة بالذات مقتبسة من حياتها الحقيقية ، لأن الكاتبة فقدت طفلا أيضاً ، وكانت قد ضمنت الحكاية المؤثرة لفقدان ابنها في رواية ( فيليب ) الصادرة عام 1995 ..
ويبدو أن نظام الأشياء ثابت ولايتغير ، فعندما تلد لورانس باراك – في الرواية – طفلة ، تبدأ مرحلة التهكم مجددا ، وتعود لتستمع الى التعليقات المهينة على الرغم من تغير العصر ، إذ يبدو أن أفكار الأسلاف راسخة جداً بحيث لايمكن القضاء عليها ..هنا تبدأ لورانس بمحاولة تقبّل هذا الكائن االغريب الذي ولد منها لتحقق شيئاً رائعاً ، لكن تجربة طلاقها القاسية تعيدها الى خانة أحساسها بأنها مجرد ( امرأة ) مع صخب من الاسئلة في أعماقها: فمامعنى أن تكون ابنة ، زوجة ، أمّاً؟...
بهذه الرواية ذات الأحداث الدائرية ، والتي تزيد روح السخرية من براعتها وجمالها ، تطرح كاميل لورنز موضوعاً ثابتاً على أمل أن تجعله متحركاً عبر رصد التغيرات في العصر وضرورة تغير العقول تبعاً لذلك ..إنها تحاول تحريك الاشياء الراكدة وترتيب فوضى العصر الذي مازال ينظر لها على أنها تابعة للرجل ..