محمد حمدي
أصابُ بخيبة أمل كبيرة كلّما مرّ مصطلح الانتخابات قريباً مني ربّما لعدم جدوى التجارب الانتخابية أو لأنها تصيبنا بالدوّار لأيام وشهور ريثما تحسم نتائجها بالمُطلق ويتوقّف ضجيج المشكّكين والمتقوّلين بتزويرها وابتزازها الى الحدّ الذي جعلنا نشعر بجدوى ونضج الديكتاتوريات كحلول قاطعة مسؤولة.
اتساءَل أحياناً مثل غيري عن الخلل، هل هو في التجربة والنظرية والمنطق الذي يفرضها أم لعُقم عقول المتلقّين والموقنين بها؟ طالما حاوطها الشك والريبة ألا توجد طرق سليمة لتلافي تزويرها أولاً، والتزوير لا أقصد مطلقاً الورقة الصغيرة أو تلك الشارات التي توضع على اللوح لتعلن تفوّق أحدهم، بل القصد هو تزوير العقول وانقلاب قناعاتها خلافاً للمصلحة العامة أو تحت تأثير الضغوط والقسم باليمين وإنكار التعهّدات!
للحق أقول إنني لا استجلب نظرية جديدة، ولا أخوض جدلاً أفلاطونيا في الفلسفة، بل أضع انتخابات الأندية الرياضية والاتحادات والأولمبية مثالاً قائماً أمام الجميع وليغترف من يشاء ما يريد ويطلب ويرى العجب من الأساليب التي لا يقوى إبليس على ابتداعها، وتصل بنا المهازل في وضع السيناريوهات الانتخابية أن يكتب أحدهم سيناريو انتخابه التمثيلي قبل شهر ويوزّع المناصب الاتحادية الأخرى! والأغرب أنه يضع المنافس أيضاً كأحد كومبارسات الفيلم ليكتمل المشهد بتقبّل ومن ثم يؤطّره بثلاثة أصوات للخصم والمنافس الشكلي مقابل أربعين للبطل في دلالة واضحة على الجماهيرية التي يتمتع بها وأمام هيأة القضاة في القاعة الفارهة يهتف له أحد المدّاحين المشهورين في الملاعب، وهو يلبس علم العراق بالتبريك والتهنئة، ويواصله (الرئيس) المُنتخب بدنانير الفضل أو (النقطة) على حدّ رأي الأخوة المصريين.
طالما كنا نتحدّث عن سيناريو ومؤلف ومخرج الانتخابات فلا بدّ لنا أن نعرّج على مسلسل هزيل آخر حدث يوم السبت الماضي والأيام التي سبقته بين كتلتين تشابهت معالم الإعلان الدعائي بينهما بمهزلة انتخابات الرئاسة الأميركية بين الديمقراطي العجوز بايدن ووحش الجمهوريين المتهوّر ترامب الذي أيقن أنه الفائز مسبقاً، ولا يقوى على منافسته أي منازع، هكذا جرى المشهد لدينا في النزاع التنافسي الأولمبي فقد كثر العرّابون والمتنبئون بفوز سرمد عبد الإله على حساب السابق رعد حمودي وتحدّثوا عن تنامي الكتلة السرمدية بالأرقام وبدأت البرامج الفضائية تنال من السابق الى حدود وصفه بالنائم الذي لم يعد معه نفع يذكر.
إن التغيير قادم لا محالة في الوقت الذي راهن فيه حمودي على نتيجة الوقت بدل الضائع وحدوث طارئ أقنعه به شخصية مقرّبة تدير العمل الأولمبي الى حدود بعيدة جداً ويكمن برد الكتلة المنافسة بإشارة أولمبية دولية من جانب وبتعهّد من أقسموا بالإيمان الغليظة من الجانب الآخر في بيروقراطية معلنة لا سابق لها .
فصول تمثيلية أبعدت هذا وهذه، ومع ذلك لم ينفع القائمة شيء يذكر، وسارت الرياح بعكس ما يشتهي حمودي وعمّ الصخب الاحتفالي وعلت أصوات التهليل والتكبير إيذاناً بأفول عصر سابق وولادة آخر ولد من رحم الأولمبية ذاتها التي يتقوّلون اليوم عن عجزها وفسادها، واعتقد جازماً أن النتيجة أتهت عند هذا المشهد، وإن كان في الخبايا ما يؤكد حرمان عبد الإله من دخول الانتخابات أصلاً، ولكي لا يكون حديثنا رجماً بغيب ما سيحصل غداً من تهديد بالقطيعة والمنع ولو سلّمنا بذلك، ما الداعي لنصل الى هذه النقطة الحرجة، وهل سيستمتّع حمودي بمنصب سقط فيه أصلاً ولم ينله باستحقاق مهما كانت الأمور؟ ولماذا لم يتم منع عبد سرمد عبد الإله أصلاً منذ ترشيحه؟
أعتقد أن الحسابات غير مجدية، ولن يكون الطريق معبّداً من جديد بعد أن فقدنا جسر الاتصال.