د. فالح الحمـراني
تتصدر المشكلة النووية في جمهورية إيران الإسلامية مرة أخرى مركز الاهتمامات الدولية ووسائل الإعلام . وجاء هذا التطور على خلفية، الأنباء التي ترددت بان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يفكر، قبل 60 يوماً من مغادرته البيت الأبيض،
بإنزال ضربة بالمنشئات النووية الإيرانية بذريعة أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية، يشير الى تفعيل إيران لبرنامجها النووي، فضلاً عن إعلان الرئيس المنتخب جو بايدن رفضه عمومًا للسياسة الخارجية للرئيس الحالي ترامب، وأن أحد أهداف إدارته سيكون إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران : "خطة العمل الشاملة المشتركة".
إضافة إلى الصراع السياسي الداخلي في إيران. فمن المعروف أن أحد "آباء" خطة العمل المشتركة الشاملة - رئيس جمهورية إيران الإسلامية حسن روحاني، سيرحل عن منصبه في عام 2021 – بعد انتهاء ولايته الرئاسية.
إن تلك التطورات لا يمكن أن لا تمس أمن العراق، وتستدعي من حكومة البلاد متابعتها عن كثب، لا سيما في ضوء التقارير التي تحدثت عن النية بتطوير حكومة الكاظمي التعاون العسكري مع إيران. وتعتزم بغداد وطهران تكثيف تعاونهما العسكري وسط انسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية، الذي أقره الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأن المفاوضات جارية بشأن التعاون المتعمق في مختلف المجالات، بما في ذلك توريد الأسلحة والمعدات. ووفقًا لتقديرات الخبراء، فإن هذا يؤدي إلى تعزيز موقف إيران في المنطقة، وهو ما حاول ترامب بنشاط منعه، ويخلق أيضاً مشاكل للرئيس الأميركي في المستقبل جو بايدن. ووفقاً لمجلة نيوزويك، تسعى بغداد وطهران لإبرام عدد من الاتفاقيات في مجال الدفاع الجوي والبري والبحري - حيث يجري بالفعل مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى في كلا البلدين، المشاورات. ويتضمن الاتفاق بين البلدين على توفير الأسلحة والمعدات للجيش العراقي. في الوقت نفسه أصبح إبرام الصفقة ممكنًا بعد رفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على تجارة الأسلحة مع إيران ، والذي حاولت الولايات المتحدة تمديده دون جدوى.
وحفز التطور بشأن الملف النووي الإيراني المتشددين المحافظين الذين يشكلون أغلبية مهيمنة في الحكومة الإيرانية، على مناهضة الاتفاق النووي. وفي الواقع، إن استياءهم لم يوجه إلى واشنطن كثيراً، ولكن في المقام الأول إلى الرئيس حسن روحاني، الذي ، في رأيهم، اخطأ بالانضمام إلى الرئيس الأميركي أوباما في تطوير خطة العمل الشاملة المشتركة. وأصبح هذا الرأي أكثر انتشاراً. وهذا يخلق احتمالاً كبيراً ألا يكون خليفة روحاني منفتحاً على التواصل مع الغرب كما كان ، ويمكن أن يكون "مغلقًاً" على خطة العمل الشاملة المشتركة.
لقد بذل الرئيس الإيراني طوال فترة رئاسة دونالد ترامب، التي استمرت أربع سنوات، كل ما في وسعه لإبقاء الاتفاق النووي حياً. وعمل من أجل إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحاً، بينما حذّرت قوى نافذة في صنع القرار بايران، بشكل متزايد من الاتصال بواشنطن، وخاصة منذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي. وفي الوقت نفسه، لم تستطع النخب الإيرانية أن تقف بلا مبالاة من السياسة العدوانية لإدارة ترامب تجاه إيران. فبعد عام واحد بالضبط من إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، بدأت طهران في التقليل التدريجي من تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.
وتجمع مختلف القراءات بان الوضع النووي الحالي في إيران بانه مثير للقلق أو حتى خطير. فقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 10 تشرين الثاني في وثيقة سرية وزعت على الدول الأعضاء أن احتياطي اليورانيوم منخفض التخصيب في إيران حتى 2 تشرين الثاني بلغ 2442.9 كجم. وهذه الكمية من اليورانيوم هي 12 ضعف الكمية المسموح بها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة ، وتساوي 300 كجم من اليورانيوم المخصب في شكل معقد معين (UF6) ، وهو ما يعادل 202.8 كجم من اليورانيوم. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تواصل أيضاً تخصيب اليورانيوم إلى مستوى نقاء يبلغ 4.5٪ ، وهو أعلى من 3.67٪ المسموح به بموجب الاتفاق.
كما تدعي الوكالة في تقريرها ربع السنوي الأخير أن إيران أكملت نشر المجموعة الأولى من أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتخصيب اليورانيوم في منشأة تحت الأرض في ناتانز. وفي وقت سابق، أبلغت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها ستنقل ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة إلى ورش العمل تحت الأرض في ناتانز، وتم تركيب وتوصيل السلسلة الأولى، المكونة من أجهزة طرد مركزي من طراز IR-2m ، ولكن لم يتم تشغيلها بعد، حيث إن سادس فلوريد اليورانيوم الغازي ، وهو المادة الأولية لإنتاج اليورانيوم المخصب، لم يتم توفيره بعد للنظام. بالإضافة إلى ذلك، بدأ الإيرانيون في تركيب سلسلة ثانية من أجهزة الطرد المركزي IR-4 الأكثر كفاءة. التالي في الخط هو السلسلة الثالثة من آلات IR-6.إن نقل المعدات الموجودة سابقاً على السطح تحت الأرض، وكذلك استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً من وحدات الجيل الأول ( - IR-1 5) يشكل انتهاكاً للالتزامات بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة.
أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في أواخر تشرين الأول، أن إيران تبني أيضًا مصنعاً لتجميع أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض في ناتانز علاوة على ذلك، فان وحدات الأجيال الجديدة أكثر إنتاجية وكفاءة. وكل هذا لا ينسجم مع متطلبات خطة العمل الشاملة المشتركة، التي يجب الاعتراف بأن الانسحاب الأميركي جعلها اتفاقية هشة.
وكما يتضح من أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، فإن الوكالة غير راضية أيضاً عن تفسيرات طهران بشأن وجود مواد نووية في منشأة إيرانية غير معلن عنها في قرية تركوز آباد (حوالي 20 كيلومتراً جنوب طهران) ، حيث تم العثور على جزيئات يورانيوم ذات منشأ بشري العام الماضي، ولا تزال تنظر في الرد الإيراني " غير موثوق بها من الناحية الفنية.
وفي هذا الصدد، يؤكد الإيرانيون بأن مستوى التعاون بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في السيطرة على البرنامج النووي الإيراني في السنوات الأخيرة كان أعلى من المستوى المنصوص عليه في البروتوكول الإضافي. وتشدّد إيران على أنها أدخلت نظاماً خاصاً ونظام تفتيش خاص لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في الوقت نفسه، لا تفوت إيران فرصة الإشارة إلى أنه قبل خطة العمل الشاملة المشتركة، اشترت أوروبا من إيران من 700 ألف إلى مليون برميل نفط يومياً، وكانت العلاقات الاقتصادية والمصرفية طبيعية. وترى موسكو أن إيران لم تتجاوز في أنشطتها السقف المنصوص عليه في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قد قال إن إيران هي أكثر الدول في العالم التي جرى عليها التفتيش من قبل خبراء الوكالة الدولية. وبرأيه أن الولايات المتحدة لا تملك الحق في التدخل بقضية الملف النووي الإيراني لأنها انسحبت من اتفاقية "خطة العمل المشتركة الشاملة" وليست طرفا بها.
بدورها ، فإن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ، كما يتضح من تصريحاته ، مستعدة للحوار مع إيران حول الملف النووي. ومن الصعب الآن تحديد متى وكيف وعلى أي أساس وتحت أي ظروف وعلى أي مبادئ سيتم تنفيذ عملية التفاوض. لكن من دون شك أنها ستكون صعبة للغاية ودرامية ومتناقضة وطويلة الأمد. إن المخاطر كبيرة للغاية، والكثير يعتمد عليها فيما يتعلق بإيران وجيرانها والشرق الأدنى والأوسط بأكمله للحفاظ على نظام منع انتشار الأسلحة النووية.
وتشارك إيران اليوم رسمياً بحكم القانون في الاتفاق النووي. لكن الغالبية المتشددة من النخبة السياسية الإيرانية، التي تعارض خطة العمل الشاملة المشتركة، اتخذت خطوة أخرى نحو انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي. في هذه الحالة ستكون الكرة في الساحة الإيرانية لانفراج الوضع في الملف النووي لمصلحة أمن المنطقة.