علي حسين
شغل المطرب داخل حسن الأوساط الفنية في بغداد، لسنوات طويلة، فهذا الرجل الذي رفض أن يلبس البدلة وأصر على ملابسه الشعبية التي جاء بها من الناصرية دخل الإذاعة عام 1937 وأصبح اسمه بين ليلة وضحاها على كل لسان، كان السحر عند الناس آنذاك هو الراديو الذي استحوذ على البيوت.
كان داخل حسن يمتلك صوتًا مميزًا عشقه العراقيون بجميع أطيافهم واعتبروه من أجمل الأصوات، ولم يكن مطربًا وسيمًا مثل ناظم الغزالي، بل كان رجلًا يملك ملامح الطيبة، تنقل بين مهنة الصيد وتصليح الزوارق، قبل أن يصبح شرطيًا، وعندما اكتشف أهل مدينته الشطرة حلاوة صوته وتميزه شجعوه على أن يخلع بدلة الحكومة ويذهب باتجاه بغداد حيث الأضواء والمقاهي التي يسهر فيها أهل بغداد "للصبح" يرددون أنغام حضيري أبو عزيز ومحمد القبانجي وصديقة الملاية، تحول داخل حسن إلى نجم تتسابق بيضافون وكولومبيا، وجقماقجي على كسب رضاه، وظلت صورته في اذهان العراقيين ذلك الرجل الوديع ،البشوش ، المتواضع في الحياة ا.
مع داخل حسن نتذكر تلك الكوكبة التي جاءت من الناصرية، لتصوغ صورة النغم العراقي، جاء حضيري عزيز من الشطرة مثل رفيق رحلته داخل حسن، وناصر حكيم من سوق الشيوخ، ومن إحدى قرى الناصرية برز خضير حسن ناصرية، ومن الشطرة لمع اسم خضير ونيسه، ومن ناحية النصر أبدع طالب القرغولي فى صنعة اللحن ورددنا معه " شفت بعيونك بلادي سهل وجبال والوادي " ، ومن مركز الناصرية نزل حسين نعمة إلى بغداد ليواسي العراقيين في "غريبة الروح"، ويتحسر معهم على أزمنة عاشوها في ظل الخراب وضياع الأمل في "ياحريمة"، القاسم المشترك بين الجميع الذين استقبلتهم بغداد من الناصرية ، لم يكن الصوت، ولا نوع الموسيقى، ، بل لأنهم أتوا من مدينة مأخوذة بالفن والجمال.
عاشت مدن العراق عصر الغناء والطرب، قبل أن يستفحل فيها مرض "حرامس"، وهو المرض الذي يصيب الظلاميين ولصوص المال العام فيكرهون كل شيء يتعلق بالموسيقى والغناء وماجاورهما، حتى وجدنا من هو أعلى سلطة في البرلمان العراقي يمنع فرقة فنية من تقديم مجموعة من الأغنيات لأنها "حرام شرعًا".
لم يكن داخل حسن يُدرك أنه سيوحّد العراقيين ، وأن عيونهم ستدمع كلما يسمعونه يغني "يمه يايمه".
نكتب عن ماضي الناصرية ونتأسى عليه، لأن الجديد الذي تعيشه مدينة الفرح ، محزن في ظل سياسيين ومسؤولين يريدون ان يجلبوا الهم والغم ويمنعوا داخل حسن من الغناء .
مات داخل حسن بعد أن ترك الناصرية تزهو بالغناء والسعادة ، نتذكره اليوم ومدينته يستباح دم شبابها لأنهم يطالبون بالحياة والأمل والفرح، لكن أغنياته ستظل تطل علينا، توزع الفرح والأمل وتحيي الشجن في القلوب.