ترجمة: أحمد الزبيدي
تمر علينا هذا العام الذكرى المئوية الثانية لميلاد فريدريك أنجلز الذي ولد في 28 تشرين الثاني 1820 .في بارمن وهي مدينة صناعية في ألمانيا .
والذي كان يشعر بالسعادة لكونه رافق" كارل ماركس في رحلة حياته وعمله الفكري والنضالي . عاش أنجلز في كنف أسرة برجوازية من تجار النسيج. وعاش سنوات طفولته في أجواء من المحبة وسط عدد كبير من الأشقاء ، وو عائلة ثرية وفي مدينة يسودها التماسك المجتمعي والتي كان يطلق عليها "مانشستر الألمانية".
ولكن منذ سن مبكرة وجد إنجلز صعوبة في تحمل ما كان يعانيه العمال في مصانع أسرته من اجل الحفاظ على حياتها المزدهرة. فكتب وهو في سن التاسعة عشرة فقط ، عن محنة عمال المصانع الذين كانوا يعيشون "في الغرف ذات السقوف المنخفضة حيث يتنفس الناس أبخرة الفحم والغبار أكثر من الأكسجين" ، وأعرب عن أسفه للظروف التي تجعل منهم "أشخاصاً محبطين تماماً ، بدون مسكن ثابت أو عمل محدد بعد وقوعه تحت تأثير سحر حركة الهيغليين الشباب في جامعة برلين ، كان انتقاله الى مدينة مانشستر الانكليزية في الأربعينيات من القرن التاسع عشر هو الذي جعله يتجه نحو اعتناق الأفكار الاشتراكية. حيث تم إرساله للعمل في مطحنة الأسرة في سالفورد في بؤرة الثورة الصناعية ، ورأى كيف أن الرأسمالية غير المنظمة تستلزم التجريد المستمر من الإنسانية: "أصبحت النساء غير صالحات للإنجاب ، والأطفال مشوهين ، والرجال ضعفاء ، وأطرافهم محطمة ، وأجيال كاملة محطمة ، ومصابة بالأمراض والعلل. والغاية من ذلك كله لم يكن سوى ملء حقائب البرجوازيين بالنقود "، كما قال في كتابه ، حالة الطبقة العاملة في إنجلترا1845 وفي وقت كان يطالب فيه معظم الفنانين الراديكاليين في السنوات القليلة الماضية بإزالة تماثيل رموز الإمبراطورية السوفيتية ، فان فناني مدينة مانشستر ذهبوا في الاتجاه الآخر. اذ قام المخرج فيل كولينز في عام 2017 ، بنقل تمثال فريدريك أنجلز على شاحنة من شرقي أوكرانيا ، التي كانت تابعة سابقاً للإمبراطورية السوفيتية إلى وسط المدينة التي كانت تمثل بؤرة "الثورة الصناعية"
لقد كانت لفتة رائعة غير متوقعة : فقد وضع تمثال للرجل الذي كان يمقت "مدينة القطن" وهو اللقب الذي كان يطلق على مانشستر في وسط قلبها التجاري .و باستثناء اللوحة الضوئية الزرقاء الرائعة التي تشير الى أنجلز و الموضوعة في تلة بريمروز في شمال لندن ولافتة تدل على وقوفه ذات يوم على شاطئ مدينة إيستبورن (حيث تم نثر رماده) ، يعد التمثال أحد التذكارات القليلة التي تكاد تنعدم لواحد من أعظم المهاجرين في بريطانيا.
لم يكن لأنجلز دور فعال في تشكيل ماركسية القرن العشرين فحسب ، ولكن رؤيته للاشتراكية تبدو مرتبطة أكثر باهتماماتنا المعاصرة.
ما كشفه أنجلز أيضاً ببراعة في في كتابه ، حالة الطبقة العاملة في إنجلترا كيف أن عمليات التخطيط الحضري والتجديد كانتا ساحتين للصراع الطبقي. وبذلك فهو يعتبر والد علم الاجتماع الحضري الحديث ، موضحاً بطرق نعرفها الآن فقط كيف يتم دائماً بناء مساحات المدينة اجتماعياً واقتصادياً. ونحن نجد جميع أفكار الكتاب هذه الأيام المتعلقة بخصخصة الأماكن العامة موجودة في نقد إنجلز الرائد لأحوال مدينة مانشستر الصناعية.
بعد فشل الثورات الأوروبية عام 1848 ، أُجبر أنجلز على العودة إلى مانشستر للعمل في مصانع أسرته من أجل تمويل عمل ماركس الفلسفي . وقد كان يكره ذلك العمل وقد وصفه قائلاً . "إن الأمر وحشي للغاية ، والأكثر وحشية من ذلك كله هو حقيقة كونك لست برجوازياً فحسب ... بل من يقف كخصم ضد الطبقة العاملة".
هذه التضحية الشخصية المؤلمة ضمنت نشر كتاب رأس المال عام 1867 ومعها تلخيص وجهة النظر الماركسية للعالم. لسوء الحظ ، سرعان ما بدأ عمل حياة ماركس في خطر الوقوع ضحية "مؤامرة الصمت البرجوازية" ، حتى بدأ أنجلز في تنظيم الدعاية التي تمس الحاجة إليها. لقد كان تعميم أنجلز لرؤى ماركس المركزية في كتابيه ضد دوهرينغ والاشتراكية: طوباوية و علمية هي من أطلقت الماركسية كعقيدة عالمية مقنعة.
فقد أوضح إنجلز أن "معظم الناس كسالى جداً لدرجة عدم قدرتهم على قراءة كتب سميكة مثل رأس المال" ، حيث اجتذبت طرق أنجلز الإرشادية سهلة الفهم القراء للماركسية في جميع أنحاء فرنسا وألمانيا وأمريكا وإيطاليا وروسيا.
بعد وفاة ماركس عام 1883 ،قام أنجلز بتوسيع أفكار ماركس في اتجاهات جديدة. وضع أنجلز ، في دراسته لتاريخ الحياة الأسرية ، أسس الحركة النسوية الاشتراكية من خلال ربطه للإستغلال الرأسمالي مع عدم المساواة بين الجنسين.
وبالمثل ، كان أنجلز رائداً في الرؤية الماركسية للتحرر من الاستعمار بتحليله المبكر للإمبريالية باعتبارها مكوناً أساسياً للرأسمالية الغربية.
من فيتنام إلى إثيوبيا ، ومن الصين إلى فنزويلا ، تبنى مقاتلون من أجل الحرية مناهضون للإمبريالية نظرية أنجلز في التحرر. لقد كان أنجلز شخصية ذات أهمية تاريخية وفلسفية عميقة. وكانت رؤيته للاشتراكية ثرية أيضاً .
عن الغارديان