بغداد- نوزاد حسن
"هذه الرواية مكتوبة بالكوبية,أي بالإسبانية الكوبية في مختلف صورها,وما الكتابة إلا محاولة لاصطياد الصوت البشري وهو يطير كما يقال,صيغ اللهجة الكوبية تنصهر هنا أو هكذا أحسب في لغة أدبية واحدة ,ومع ذلك تغلب عليها طريقة أهل هافانا بالكلام,على الخصوص لغة أجواء الليل التي يعرفها جميع المدن الكبرى, وهي لعمري لغة مشفّرة"
بهذه الكلمات قدم الكاتب الكوبي غييرموا كابريرا انفانته روايته ثلاثة نمور حزينة التي صدرت في أول ترجمة عربية لها عن دار المدى,وقام بترجمتها الدكتور بسام البزاز.وتعد هذه الرواية بصفحاتها الستمائة,وبعنوانها المثير الغامض من أهم الروايات التي ذهبت بعيداً في تحطيم الشكل الروائي بحيث غدت الرواية مجرد لعب لغوي.يقول المترجم البزاز في مقدمته للرواية"ومن قال إن النمور الحزينة الثلاثة رواية؟النقاد يصفونها بأنها مجزأة,وإنها رواية كولاج.أما المؤلف فينفي عن الكتاب صفة الرواية.فإن لم تكن رواية فما هي أذن؟يجيب المؤلف اتمنى أن ينظر القارئ الى هذا الكتاب بوصفه مزجةكبيرة مكتوبةمزجة تقع في 500 صفحة".
تبدو الرواية مفككة,وغير مترابطة,ومليئة بالإشارات والأمثال واللعب اللغوي,والأخطر من هذا هي بلا شكل,كيان بلا ملامح لو صحت العبارة.وهنا يضيف البزاز إيضاحاً مهماً"ومع ذلك فإن الكتاب يستند الى بعض العناصر السردية.فنحن أمام ثلاثة أبطال أو أربعة في هافانا عام 1958في باراتها ونواديها الليلية وأجوائها الضبابية يحيون حياة بوهيمية قوامها الموسيقى والغناء والعربدة والكلام"
على كل حال قد تكون الرواية صعبة وطويلة بعض الشيء,لذا فان المترجم يسعفنا فيكتب مقدمة تعريفية واضحة جداً تشبه المقدمة التي كتبها كمال أبو ديب لكتاب الاستشراق لادوارد سعيد.أظن أن هاتين المقدمتين من أفضل ما كتب لتهيئة القارئ كي يدخل في عالم القراءة ، أضف الى ذلك فان البزاز قام بوضع شروح وتعليقات وتعاريف لما ورد الرواية وهو مما قد يجهله القارئ العربي.وأنا كقارئ لمست الدور الكبير الذي قدمته تلك الهوامش التي سترافق القارئ الى نهاية الرواية.
إذن نحن أمام عمل روائي هائل,يستفز الخيال ويضع القارئ أمام تساؤل جدي وهو:هل يمكن أن تكون الرواية بلا شكل.؟نعم لقد فعلها كابريرا ببراعة مستلهماً ثقافته العريضة,وقدرته على التخيل.فهل اتخذت الواقعية السحرية بعداً جديداً في هذه الرواية؟يجيب البزاز"على أن مؤلف ثلاثة نمور حزينة تجاوز في انقلابه كل انقلاب,وتخطى في تجديده كل حدود البوووم,فالمؤلف لا يرى في الرواية اكتمالاً,فقد بدأ القصة بفصل كتبع عام 1961 من وحي مختلف وعنوان آخر,وانتهى بعناوين وفصول أخرى على امتداد السنوات حتى استقر العمل عام 1968على ما هي عليه في الطبعة الكاملة,التي اعتمدناها والتي يشير فيها الى أنها تضم ما حذفه مقص الرقيب منها عام 1967"
إننا إذن أمام عمل تجريبي قبل كل شيء,ومحاولة فنية قد تسهم في إغناء الفن الروائي إن تم تأمّل هذ الرواية بصبرمع محاولة لمس ذلك الحس المتفرد الذي يقدمه المؤلف للقارئ ، ولعل من الخطأ النظر الى هذه الرواية كمادة روائية قابلة للتحليل الشكلي.إن مثل هذا الفهم سيبتعد عن روح العمل,وسيهدم عفوية إدراك العالم التي كشفتها لنا هذه الرواية.
لنقل إن هذه الرواية هي تمرين جمالي يقود الى تطوير وجهات نظرنا لتكون أكثر انفعالاً ، إن هذه الرواية هي صدمة جمالية وتستحق أن تعاد مرّات.