طالب عبد العزيز
إذا كانت الشيوعية التي قامت كنظام للحكم في روسيا أو الاتحاد السوفيتي السابق، وبعض دول أوروبا الشرقية قد انتهت على وفق الآلية معروفة الأسباب آنذاك،
أو بسبب المقارعة الشرسة والحرب غير المعلنة، التي تبنتها الدول الرأسمالية وأميركا، بشكل خاص في سياستها الاقتصادية فهذا لا يعني أن الفلسفة الشيوعية كانت خطأ فكرياً، إنما هي، وبحسب المشتغلين في نقدها ظلت وستظل نظاماً اقتصادياً، غاية في الدقة، وتمتلك ديناميكية تؤهلها للتحرك في المجتمعات عبر الأزمنة، وبمقدورها الاتيان بنتائج باهرة وعظيمة.
ولعلها في بعض نتائجها كانت قد حررت العقل الإنساني من تابو الدين في أوروبا واللاهوت الكنسي، باتجاه إعمال العقل في كل مفاصل الحياة، من أجل تقويم السياسات الخاطئة، التي كانت قائمة آنذاك، فقد عرف بان دول المنظومة الاشتراكية التي تخلت عن العقيدة الشيوعية وتفككت، واعتمدت اقتصاد السوق، وفتّحت كنائسها مرة ثانية، وأعيدت أفكار المسيحية الى بعض المناهج، وصارت شعوبها تشاهد القساوسة والرهبان لم تصبح بأسعد حال، ولم تقم الكنيسة بمعجزة ما في إنقاذهم مما كانوا (يعانون) منه، وما الحلم الذي راودهم بمتحقق أبداً.
لا نريد أن نقول بان الخيار الشيوعي كان فردوساً، مثلما لم يكن خيار الرأسمالية أو الكنيسة في أوروبا خياراً صائباً في عملية التغيير ، إنَّ ما نريد الإشارة إليه هو قدرة الشعوب الحية على استبدال طرائق الحكم بما هو أفضل، وعدم الركون الى منطوق ما، ونظام بعينه، إذ الحياة في جملة مفاصلها متحركة، وبدرجات متفاوتة أحياناً.
نشير الى التجربة الفاشلة التي تبنتها الأحزاب الإسلامية في العراق، والتي جعلت من الحياة نكداً على مواطنيها، بعد أن أغرقت البلاد بالفساد، وخربت بناه الاجتماعية، والأمنية، والاقتصادية، في ممارسة حكم فاشل، لم يجنِ منها الشعب إلا التفرقة والقتل على الهوية، فكانت خلاصة مُرعبة، وقد أقر بفشل التجربة هذه عمداؤها كلهم، وباستثناء زعيم منظمة بدر لم يعتذر أحد منهم، لكنَّ الله والمرجعيات الدينية والسياسية والمنظمات الدولية في العراق والعالم كلها تجمع على أن التجربة كارثية.
لذا، نقول بأن ثورة تشرين وضعت الحصان العراقي أمام العربة. ومهما حاولت الكتل والأحزاب الدينية الحاكمة عرقلة الخطوة القادمة للعربة هذه فإنها ستمضي، ولن يكون لآلة القتل التي أُعملت في رقاب الشباب الثائر القدرة على تغير التحول، نعم، قد يتأخر، وقد تنحر رقاب جديدة، لكن منطق العقل والتاريخ يقول بأن النتائج حسمت لصالح الأبطال التشرينيين، وهم وحدهم القادرون على تغيير منطق وآلية الحكم في العراق ، على جميع الكتل الإقرار بان جيل الشباب هؤلاء كان قد مرَّ بوعيه على المدارس الفكرية، وخبر أنظمة الحكم، واستقى التجارب كاملة، وهو قادر على انتزاع السلطة اليوم أو بعد سنة، لا محالة.