متابعة المدى
رحل الشاعر والمترجم المصري رفعت سلام عن عمر يناهز التاسعة والستين عاماً، حيث ولد بمدينة منيا القمح فى محافظة الشرقية،
وفى عام 1955 عاد مع أسرته إلى مدينته الأصلية منية شبين فى محافظة القليوبية والتحق بجامعة القاهرة عام 1969،ودرس الصحافة فيها، ثم تخرج منها عام 1973، وساهم فى إصدار مجلة "إضاءة 77" مع بعض زملائه، ثم أصدر مجلة "كتابات"، وأصدر أول ديوان شعري له عام 1987 بعنوان "وردة الفوضى الجميلة"، كما أسس مجلة "كتابات" الأدبية، التي نُشرت على صفحاتها للمرة الأولى مصطلح "جيل السبعينيات" وصدر منها ثمانية أعداد، وصدر له سبعة أعمال شعرية، وترجم عدداً من الأعمال لشعراء عالمين أمثال بوشكين وماياكوفسكي ورامبو وبودلير ووالت ويتمان وكفافيس وريتسوس.
وترأس الشاعر الراحل القسم الثقافي بوكالة أنباء الشرق الأوسط لأكثر من عشرين عاماً، ويعد من أبرز شعراء جيل السبعينيات ليس في مصر فقط؛ بل على مستوى الوطن العربي، حيث صدر له أكثر من عشرة دواوين على مدار أربعين عاماً، منها «وردة الفوضى الجميلة» 1987، و«إشراقات رفعت سلام 1992»، و«إنها تومئ لي» 1993، و«هكذا قلت للهاوية» 1995، و«إلى النهار الماضي» 1998، و«كأنها نهاية الأرض» 1999، و«حجر يطفو على الماء» 2008، وكان آخر دواوينه "أرعى الشياه على المياه"
وتميزت اللغة الشعرية عند سلام بالانفتاح على الوجود الإنساني عبر فلسفة كونية تهتم بالتفاصيل، تجمع الجزئيات الصغيرة عبر لغة تركيبة منفتحة الدلالة. واستفاد الراحل من الثقافات المختلفة التي كان مطلعاً عليها، فنرى في قصائده اللغة الأسطورية تتجاوز مع الرؤى الصوفية، لتكشف عوالم الكون معتمداً على تجاور الصور الشعرية وتلاحقها بشكل ديناميكي.
وكان للشاعر الراحل دور بارز في الترجمة لا يقل عن تجربته الشعرية، فقد قدم الترجمات لأهم الشعراء العالميين أبرزهم الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الاميركي الشهير والت ويتمان" نشر رفعت سلام، العديد من الترجمات الشعرية، التي تعد من علامات ترجمة الشعر فى الوطن العربي، نظراً لما قدمه من ترجمات لعدد من عظماءالشعر فى التاريخ الإنساني الحديث، ومنها: الأعمال الشعرية الكاملة لبودلير و الأعمال الشعرية الكاملة لـ «كفافيس» والأعمال الشعرية الكاملة لرامبو كما ترجم العديد من القصائد لشعراء مثل بوشكين وماياكوفسكي ورامبو وبودلير وكفافيس
أشار في تصريحات صحافية متكرّرة إلى عدم وجود مشروع للترجمة في مصر، موضحاً أن "جميع المؤسسات الثقافية المصرية تعمل –للأسف الشديد- بلا خطة، ولا منهج؛ وبالتالي نحصل على نتيجة تشبه الصِّفر. فالتراكم الكمِّي العشوائي –بلا توجه ولا رؤية- لا ينتج ثقافة. وغالبية رؤساء المؤسسات القادمين من البيروقراطية الجامعية هم مجرد «تكنوقراط»، بلا اهتمام ثقافي، ولا خيال، فهم موظفون مطيعون لمن يأتي بهم، هدفهم الوحيد هو الاستمرار على الكرسي الذي يتيح لهم امتيازات غير مسبوقة، مادية وغير مادية".
اهتمّ سلام بتعدد الأصوات وتعدد البنية الشعرية في قصيدته منذ إصدار مجموعته الأولى بعنوان "وردة الفوضى الجميلة" عام 1987، وتوالت إصداراته في الشعر لتصل إلى تسعة كتب، هي: "إشراقات رفعت سلاَّم" (1992)، و"إنها تُومئ لي" (1993)، و"هكذا قُلتُ للهاوية" (1993)، و"إلى النَّهار الماضي" (1998)، و"كأنَّها نهاية الأرض" (1999)، و"حجرٌ يطفو على الماء" (2008)، و"هكذا تكلَّم الكَركَدن" (2012)، و"أرعى الشِّـيَاه على الميَاه" (2020).
جاء على ظهر الغلاف لمجموعته الشعرية "ديوان رفعت سلام" الجزء الاول : "صوت شعري فريد، لا يشبه سوى ذاته؛ افتتح- مع آخرين- سبعينيات الشعر المصري والعربي؛ لكنه سرعان ما انطلق".
وقيل عنه "وأربعة أعمال شعرية تمثل الجزء الأول من ديوانه الكامل، تؤسس للخروج على كل الأنماط، بلا سعي لتأسيس نمط جديد؛ خروج على ثنائية "التفعيلي" و"النثري"، وعلى كل الأعراف السابقة أو الراهنة. إنه "سِفر خروج" شعري، من المعروف إلى المجهول، من المملوك إلى العصِي على الامتلاك".
أصدر سلام أيضاً العديد من الدراسات النقدية منها "المسرح الشعري العربي" (1986)، و"بحثًا عن التراث العربي: نظرة نقدية منهجية" (1990)، و"بحثًا عن الشعر، مقالات وقراءات نقدية" (2010).
في اخر حوار معه قال ان " الشعر. هو مفتاح العالم بالنسبة لي. وهو لي البوابة إلى أي طريق آخر. بسببه، التحقت بقسم الصحافة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، لظني آنذاك أن الصحافة تعني الكتابة، والكتابة هي الأقرب إلى الشعر. وبسببه، دخلت إلى الترجمة، لأتعرف على مَن أريد من شعراء العالم الكبار غير المترجمين إلى العربية. وبسببه، اقتصرت- في الترجمة- على الشعر. فهو لا يشبه سواه، ولا شبيه له. "