TOP

جريدة المدى > عام > سؤال الحب فـي المنعطف

سؤال الحب فـي المنعطف

نشر في: 7 ديسمبر, 2020: 07:20 م

ثامر الهيمص

كان ملاذي الوحيد وأنا في اعتكاف كورونا ليخرجني من عزلة كنت اتمناها لمراجعة طالما كانت ومازالت أُسايسها في زمن الضرورة والصيرورة ،

حيث التقينا وتحالفنا للتغيير ، نافضاً لغبار بات ثقيلاً جداً في بلدي وبلدان , فقد كان سؤال الحب هو الإجابة من خلال انفتاحه متألقاً , لا يسعني إلا القول لمؤلفه الاستاذ علي حسين إنك لم تفاجئني كوني من مدمني عمودك( اليومي /الموقف) في المدى , فقد كان امتداداً لحبك الكبير الذي نحس نبضه صباح كل يوم .

فسؤال الحب من تولستوي الى أينشتاين يختصر الحب المكتوب والشفاهي من أفلاطون الى يوم الناس الكوروني حيث تزحزح كل شيء إلا الحب تبرعم مورقاً من سماد فقاعة العولمة بإرهابها وشعبوياتها . 

هذا الامتداد التاريخي الذي يغطيه سؤالنا في الحب كان ولا شك واحداً أساسياً من المطلقات الاربع (الفن والحب والعلم والسياسة) التي تشكل البردايم العام لشعوب الأرض . 

فالعلم تزحزح من خلال العبقريات الجديدة في الفيزياء الكمية حيث اكتشف أن هناك ماهو أسرع من الضوء ,بعد اختزال الواقع الى مادة . وهذا ما يُقطر الفن عبر الرؤئ في ضوء العلم أو خياله وهكذا السياسة بضوء المستجدات في السلم والحرب . 

أما الحب من تولستوي الى أينشتاين , نستطيع القول إنه لم يتعرض لقفزات نوعية في هذه المرحلة وإنما كان امتداداً مواكباً لزمنه بحيث لا يقارن بالانعطافة المسيحية الكبرى . لعله كان استجابة للفردانية التي انبثقت في عصر النهضة والتحرر أو التمرد الذي انجزته . إذ كان شكسبير في المنعطف النهضوي ’ يريد أن يخضع المجتمع الاقطاعي الى قانون الحب والوفاق الإنساني كما يقول: الحب, منارة للسفن / تلجأ إليه في العاصفه والضباب / الحب نجم الأمل في المحيط . روميو وجوليت (سؤال الحب ص43) . 

ليأتي في بداية القرن 19 الفيلسوف الأكبرهيغل ليقول لنا في أبيات من الشعر الفارسي لجلال الدين الرومي في كتابه(موسوعة العلوم الفلسفية) بفصله الأخير هي: سأقول لكم كيف خلق الإنسان من طين : ذلك أن الله- جل جلاله – نفخ في الطين أنفاس الحب ! / ساقول لكم لماذا تمضي السماوات في حركتها الدائرية: / ذلك أن عرش الله- سبحانه- يملؤها بانعكاسات الحب ! إنني لا استطيع أن افسر لك كل ألغاز الخليقة: / فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب ! . (د.زكريا ابراهيم / مشكلة الحب ص6) . 

وهكذا تستمر مسيرة سراج الحب قبل تولستوي وبعد أينشتاين من بوفاري الى سيمون ديبوفوار وسارتر وأراغون وأليزا , من خلال باقاتهم الرائعة مثل: الحب وحده بقوته الجبارة يمكنه مجابهة الزمن , وصباح الخير أيها الحب ولو كنت وهماً , لنختم باقتنا بالأشمل للموسيقار شوبان إبان القرن 19 ليقول: ( سعادة واحدة في هذه الحياة...هي أن تحب وتُحب). وهكذا يجسد لنا ذلك فناننا العظيم جواد سليم بقوله علينا أن نبحث بأنفسنا عن السعادة والحب كل يوم . 

اتسم الحب وبموجب الهارموني في سياقه مع عصر بنهضته وحداثته التي وسمتها العلمنة من غاليلو الى فرويد وأنشتاين والفلسفات الاشتراكية والرأسمالية , ووقوف الكنيسة بجناحيها البروتستانتي والكاثوليكي خاصة وتفاقم نشاطها كرد فعل كما حصل مع غاليلو بوضعها حاجزاً بين الله والمواطن العادي لتعطل الحب وتؤجج الكراهيه كمؤسسة نافذة ضد الانعتاق الفردي والجماعي ,فكان الفعل التحرري بعد اكتشافات دارون وماركس وفرويد حاملوا هوية التنوير وما زالت الشعلة متقدة رغم فشل أساسي في الحربين العالميتين والاستعمار لشعارات التنوير التي تلوثت بالفاشية والستالينية .مما استدعى المراجعة حيث تحولت ثقافة العلمنة الى مذهبيات . 

الى أن دخلنا مرحلة مابعد الحداثة ,حيث لم تتوازن الشروط الاربعة المولدة للحقائق ,ويرى آلان باديو أحد أبرز رموز ما بعد الحداثة ,إن افلاطون الفيلسوف الأول الذي تناولت فلسفته بوضوح الشروط الأربعة المولدة للحقائق : العلم(في صيغة الهندسة ) والحب (في صيغة أمنيات سقراط) والسياسة(في الجمهورية ) والفن في المحاورات .نصير فليح آلان باديو/ ص38/ 2019/مكتبة عدنان/بغداد. 

فكما في الحب لايمكن أن يكون هناك طرف ثالث والذي كان ولا يزال واشياً وعذولاً لتبقى شعلة الحب والمحبة متوهجة ,فهذا يحصل في الدين أيضاً ، إذ طالما كان الوسيط مدمراً بل متأمراً على من يدعي وكالته أو ناطقاً عنه ,فقد أفادنا من التجربة المسيحية الفيلسوف الوجودي سورين كيركورد في القرن 19 (إن هذا الطرف الثالث حشروه بين الله والإنسان في عبادته سواء كان عائلة أو كنيسة أو دولة أو أي شيء يعني نفي العبادة وتعطيلها . ( سورين كيركورد /في نقد الدين الجماهيري /ص50/2015) . 

فالطرف الثالث احتكر ليس العلاقة بالله بل امتد ليخنق الحب كشرط لإنتاج الحقائق ليأتي حصاد ذلك حروباً تحت رايته ولكن جسّدها الحب من خلالها جواهر ثمينة في الفن والحب لتؤسس لحضارة تعمل بها الشروط الأربعة بأفضل كثيراً من ماضٍ مظلم . ولكن تمأسست بنى أو بقايا السابق لتعيد إنتاج الركام بحروب وأزمات بخواء روحي ديني فني بعد تسليّع الحب والمذاهب ، إذ اعتبرت الانظمة السياسية الطرف الثالث هو ممثل الرب رغم زيفه . وهكذا تراجع الحب ودين الحق بتسامحه ومحبته أمام غيلان الطرف الثالث ومع بديله اللبرالي والمستبد . 

فالرب هنا ليس كائناً علوياً لم يجر تصويره في ضوء ثقافة المكان بل طاقة اعتمدت على مبدأ : كيف أمكن لهذا الكون أن يكون على ذلك النحوالمذهل من التنظيم؟ 

إنه ليس إله اخناتون , وحمورابي, وموسى’ إنه ليس كرشنا ولا المسيح لأنه وقبل كل شيء خارج الأيديولوجيا والعقائد. إنه إله سبنيوزا وأنشتاين وكل العقلانيين . (فالح مهدي/البحث عن جذور الإله الواحد / في نقد الايديولوجية الدينية /ص173/دار العوده – بيروت) . 

وفي خارج هذا الإطار العقلاني نمت على طرفيه العدمية من خلال التطرّف المذهبي في البلدان المتخلفة والبلدان المتقدمة تدفع للموت انتحاراً حيث أرقى الدول من حيث تلبية الحاجات الأساسية للإنسان وهي السويد مثلاً نتيجة غياب الحب والحميمية بين الناس التي تساهم بها الثقافة الدينية بنسختها الأصلية . 

وهذا في الغالب ناجم عن اختزال الإنسان ببرنامج الحاجات الأساسية فقط بالنسبة للثاني , وغياب الدين الحق ليصبح مذهباً طارداً للمحبة ومكفراً . 

ولهذا نلحظ التشوّه في أداء الطقوس المذهبية عندما تلغي الآخر كمذهب وليس غيرذلك بشعبويات الغرب ويمينيته كما نلمسها في المهجرين واللاجئين 

نظراً لغياب المحبة البنية التحتية للحب الذي يفعل كلا منهم الآخر , أو برد الفعل الآخر الذي بات الوجه الآخر له حيث تحالف الأضداد العقيم , الذي يشوّه تألق الحب ويشوشه بأيديولوجيات باتت مجرد عملية تدوير تاريخية ,كما تتجلى الآن بمنعطف كورونا الذي وجدها مكتملة الأركان موضوعياً وذاتياً ، إنها القشة التي تقصم ظهر الجمل , غاب تولستوي ورهطه عن الساحة , رغم بعض التنازلات والمراجعات التي يحركها الزلزال أولا . 

حيث هناك متسائلون في الحب رغم قلتهم ليجعلوا من الحب بنية تحتية لمشروع إنساني يرى بقبول ومحبة الآخر هدفاً بحد ذاته بدون أدلجة وشبكة مصالح وعلاقات قوة , سيكون لهذه الحقبة فلاسفتها وأهلها في الحب و الفن والعلم والسياسة الذين لم تحتويهم الأيديولوجيات والمذاهب المسيسة ولم يقرنوا مصالحهم كشرط للانخراط , واحسب أن كتابنا وموضوع بحثنا - بكل تواضع - أحد أحجار الزاوية على الأقل عراقياً

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

علم القصة - الذكاء السردي

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

عدد خاص للأقلام عن القصة القصيرة بعد ثلاثة عقود على إصدار عدد مماثل

ليلة مع إيمي

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

مقالات ذات صلة

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون
عام

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

استطلاع/ علاء المفرجي تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram