TOP

جريدة المدى > عام > يوم في تاريخ اليابان..زلزال بقيت آثاره بادية حتى اليوم

يوم في تاريخ اليابان..زلزال بقيت آثاره بادية حتى اليوم

نشر في: 7 ديسمبر, 2020: 07:21 م

علاء المفرجي

في الساعة الثانية عشرة ظهراً، الخامس من آب 1945 ،حدث أمران تاريخيان في نفس الوقت في اليابان: الشعب الياباني سمع صوت إمبراطوره لأول مرة،

ليخبرهم في الراديو أن بلدهم خسرت حربها الأولى. هكذا يقدم كازوتوشي هاندو كتابه الصادر عن المدى لمجموعة من الباحثين وبترجمة فدوى فاضل، هذا الكتاب هو سجل تفصيلي لأربع وعشرين ساعة التي سبقت ذلك البث، منذ الاجتماع الإمبراطوري، حيث اتخذ قرار الاستسلام إلى خطاب الإمبراطور نفسه.

كان ذلك أطول يوم يعيشه شعب اليابان في تاريخه. يقول هاندو: بالنسبة لنا، نحن أعضاء معهد دراسات حرب الباسيفيك، كانت فكرة

تجميع وكتابة هذا السجل مهمة للغاية، إذ بدا كما لو أننا نعيش من جديد قسوة تلك الأحداث التي عاناها بلدنا. الخامس عشر من آب سنة 1945 ، كان ذروة السنوات المائة الأخيرة في تاريخ اليابان، منذ »إحياء كل مستقبل الشعب الياباني، واليابان نفسها، يتوقفان على ذلك اليوم. ويضيف هاندو: إنني الألكبر سناً بين أعضاء معهد دراسات حرب الباسيفيك، فقد كنت في الصف الثالث الإعدادي يوم تحدث الإمبراطور من الراديو. حينها كنت أعمل في مصنع للعتاد الحربي ينتج خرطوشة للرشاش 20 ملم، وتلك كانت مساهمتي في الحرب. وفي أحد الأيام قصفت طائرات بي 29 المصنع وقتل العديد من زملائي في العمل. يومها كانت جبهة القتال

قد انتقلت إلى الداخل، مع ذلك كنت لا أزال آمل بانتصار اليابان، لذلك كان شعوري في منتصف ذلك اليوم خليطاً من المرارة والغضب، مع إحساس بعبثية الأمل، إذ أُخبرنا أننا مع احتلال اليابان سوف نجبر على عيش حياة العبيد. 

يشير كازوتوشي هاندو أنه في ذلك اليوم دخنت أول سيجارة، الأمر الذي كان ممنوعاً في المدارس، مع الإصرار على القيام بأي شيء آخر، فقد كنت ما أزال شاباً، وبدا أن القليل من الوقت قد ترك لي لعيشه، ولم تكن هناك متعة في أي شيء أفعله. بالنسبة لنا، نحن الذين عانينا الحرب، سواء على الجبهة أو في الداخل، كنا بشكل أو بآخر عرضة لرعب الحرب. كانت الحرب مثل قدر ال يمكن تجنبه. كان علينا تحمل قسوة المشاهد اليومية لوحشية الإنسان ضد الإنسان.

فعلى الرغم من أن الخامس عشر من آب وضع نهاية لبعض تلك الوحشية، فالحقيقة أن الهزيمة، بالنسبة للشعب الياباني، كانت تجربة كارثية من الصعب جداً قياس آثارها. وحتى اليوم لا تزال اليابان ضالة طريقها لتهدئة أرواح قتلى الحرب، وإلى أن تفعل، نستطيع القول إن كانت قد نسيت الماضي، أم أنها تعيش برمتها في الحاضر.

ما الذي قاد مئات الآلاف إلى الموت؟ بعض الإجابات قد توجد في أفكار وذكريات اللاعبين الرئيسيين في دراما الأربع وعشرين ساعة تلك ويبدو أن ذلك كان أحد أسباب وضع هذا الكتاب.

في اليابان أن تموت من أجل وطنك، كان على الدوام واجبا دينياَ، لتطرح عنها ربما تكون عشرون عاماً ليست طويلة بما يكفي على أم ذلك الاعتقاد القديم، لكن يجب عليها أن تفعل هذا، إذا أراد الشعب الياباني أن يعيش في عالم اليوم وليس الأمس. وربما هذا سبب آخر لتأليف هذا الكتاب. إن مصاعب تسجيل أحداث تاريخ معاصر، بينما ممثلوه لا يزالون أحياء، واضحة. لقد قابلنا كل الأحياء من المشاركين في الدراما النهائية لهزيمة اليابان - مع استثناء واحد، هو بطل تلك الدراما، الامبراطور نفسه - وبينما نقرأ بشكل طبيعي كل ما نشر في تلك الفترة، فإن القاعدة الاساسية لتقريرنا تعتمد المقابلات الشخصية، صياغتنا للأحداث، المشاعر والحالات الذهنية، كلها دعمت من قبل الرجال الذين قابلهم الباحثون، مع ذلك، يقول هاندو: "علينا أن نتذكر أن أكثر من عشرين سنة انقضت منذ ذلك اليوم. الأحداث تصاعدت بسرعة، لوّنت الذاكرة بطريقة قدرية لا يمكن تجنبها. ذاكرات شاحبة، رجال لهم أسبابهم لاسترجاع ما يريدون تذكره فقط، أو تكرار ما يرغبون بتكراره فقط. ثم على المؤرخ أن يستخلص الحقيقة من الزيف - وأحياناً لا يمكن تلافي الفشل. العديد من اللاعبين الرئيسين ماتوا، إذ كانوا رجالاً مسنين وقت حصول الدراما، والبعض مات قبل وقت قريب. أحدهم فضل عدم الكلام: عندما قابلنا الماركيز كويتشي كيدو، ظل كاتم السر الإمبراطوري رافضا كسر صمته. محنة استسلام اليابان كانت أشبه بزلزال ما فتئت آثاره بادية حتى اليوم. والعادة حساب التفاصيل المأساوية للهزيمة، ينبغي، بل ومن الضروري، استحضار وحث الذاكرة الحزينة، فربما ساعدت أيضاً على تعبيد الطريق لبداية جديدة أفضل. وربما يكون هذا أهم الأسباب لوضع هذا الكتاب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

علم القصة - الذكاء السردي

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

عدد خاص للأقلام عن القصة القصيرة بعد ثلاثة عقود على إصدار عدد مماثل

ليلة مع إيمي

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

مقالات ذات صلة

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون
عام

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

استطلاع/ علاء المفرجي تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram