أحمد الزبيدي

يصدر قريباً كتاب يتناول سيرة حياة الروائي غراهام غرين الذي يعد أحد أهم الكتاب الإنكليز المحدثين وأغزرهم إنتاجاً وأكثرهم انتشاراً،

عنوان الكتاب (Russian Roulette: The Life and Times of Graham Greene) لعبة الروليت الروسية ..عن حياة وزمان غراهام غرين من تأليف ريتشارد غرين (الذي لا تربطه صلة قرابة مع الكاتب سوى تشابه بالاسماء)

عندما سأل الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز ذات مرة غراهام غرين ، بحضور فيدل كاسترو ، عما إذا كان صحيحاً أنه لعب الروليت الروسي بمسدس محشو ، أكد له الروائي الانكليزي أنه فعل ذلك عدة مرات. كان كاسترو ، أحد قادة العالم العديدين الذين ربطته بهم علاقات قوية على مر السنين (كان من بينهم غورباتشوف ، وهوشي منه والبابا بولس السادس آخرون) ، و حسب الاحتمالات التي تطرحها اللعبة فإنه لا ينبغي أن يكون على قيد الحياة. وهذا هو رأي غراهام غرين أيضاً. كان يتوقع أن يموت صغيراً وكان يقول ("أفضل أن أموت برصاصة في الرأس بدلاً من سرطان البروستاتا") لكنه نجا من الموت حتى بلغ سن السادسة والثمانين.
كانت قصة ممارسة غراهام غرين لعبة الروليت الروسية محل جدل. قد يكون قد لعبها بمسدسات غير محشوة أو برصاصات غير حقيقية. لكن المؤلف ريتشارد غرين يعتبرها مقدمة مركزية في سيرة حياته: لأنها تشير الى أن هذا الروائي كان مجازفاً ومغامراً ، وله تاريخ من إيذاء النفس وإدمان الخطر. فقد قام بأولى رحلاته وهو شاب يافع إلى ليبيريا ، للكشف عن مظاهر العبودية الحديثة كما وصفها . كان غرين يعلم أن هناك مخاطر ستواجهه – مثل التعرض لإطلاق النار من قبل الجنود ، أو لدغات الأفاعي ، أو الإصابة بالحمى الصفراء – لكن كل ذلك لم يثنيه عن عزمه قط. كانت برفقته ابنة عمه دوروثي ، التي وجدت صحبته أمراً مخيفًا: "إذا اصبحت في موقف صعب ، فانه سيكون مهتماً جداً بملاحظة ردود أفعالك ، ومن المحتمل أنه سينسى إنقاذك".
تبع ذلك قيامه بالعديد من الرحلات: إلى المكسيك وكوبا وفيتنام وتشيلي والصين وهايتي ويبليز ونيكاراغوا والكونغو والكثير من البلدان. كانت غايته من تلك الرحلات كتابة المقالات ، وإيصال الرسائل ، والقيام بمهام دبلوماسية وجمع المواد لكتبه ، وأحياناً كان يقوم بكل ذلك في نفس الوقت. كان يركز دائماً على القساوسة الكاثوليك الذين كانوا يعيشون في ظل ظروف من الاضطهاد ، أو على "الشخصيات الإنجليزية التي تعيش في بيئة لا تحميها". كان يشتبه في أنه كان يقوم بالتجسس: وهذا صحيح ، رغم كونه روائياً. فقد عمل خلال الحرب العالمية الثانية في جهاز الاستخبارات البريطاني مع كيم فيلبي( الذي كان ضابط مخابرات بريطاني وعميلًا مزدوجاً للاتحاد السوفيتي- م). وعلى الرغم من كونه كان عضواً لفترة وجيزة في الحزب الشيوعي ، فقد فهم جاذبيته ودافع عن خيانة فيلبي لبلده: "لقد كان يخدم قضية وليس نفسه". بالنسبة لغرين ، كانت الكنيسة الكاثوليكية تخدم نفس الغرض - الإيمان بالمثل الأعلى. لقد وصف نفسه بأنه شخص لا أدري - كاثوليكي ، لكن كان لديه "شك كافٍ في عدم إيماني" بالاعتقاد في أن الحياة بعد الموت أكثر احتمالاً من عدمها.
إن اهتمامه بقضايا اللاهوت وانشغاله بمواضيع القداسة يبدو الآن أمراً عفا عليه الزمن مثل ولعه ببيوت الدعارة. كان لديه العديد من الإخفاقات ، ليس أقلها في شخصيته كوالد – فهو شخص وجد في رفقة الأطفال الصغار عملا مطهرا له من الآثام ولكن لم يكن لديه اتصال يذكر مع ابنه وابنته حين كبروا. لكنه كان سخياً بالمال: فكان يغدق على الأصدقاء والعشيقات السابقات بالمال والسيارات والمنازل والمعاشات وغيرها من الهدايا الباهظة. وعلى الرغم من عدم اكتراثه بالسياسات الحزبية في المملكة المتحدة ، فقد كان ناشطًاً متحمساً ضد الظلم في العالم. سواء من خلال حثه الأنظمة الاستبدادية على إطلاق سراح المعارضين المسجونين أو مهاجمته الولايات المتحدة بسبب تدخلاتها العسكرية ، فقد كان يستمتع بقيامه بتلك المشاكسات.
يستخف مؤلف هذا الكتاب بلطف بالكاتبين نورمان شيري ومايكل شيلدون اللذين سبق لهما أن اتخذا من حياة غراهام غرين موضوعاً لكتابين لهما : لقد وجد أن نهجيهما كان "يركز على شهوانيته وكان تافهًا" ، كما ان الكثير من المواد الجديدة المتعلقة بحياته قد ظهرت منذ ذلك الحين. وعوضًا عن حصر حياته " بالجنس والكتب والاكتئاب" ، فان هذا الكتاب يقدم لنا سيرة حياة مليئة بالرحلات والنشاط الأدبي من جميع الأنواع (تأليف المسرحيات وكتابة السيناريو ، بالإضافة إلى الروايات والمقالات الصحفية) إضافة الى تناوله إصابته بمرض الاضطراب ثنائي القطب الذي يسبب تقلبات مزاجية حادة. يتتبع الكتاب الصدمات التي عانى منها غرين في أيام دراسته ، عندما تعرض للتنمر والاستهداف ووضعه تحت المراقبة خوفا من قيامه بالانتحار. ويرى المؤلف أن مرض الاضطراب ثنائي القطب كان مصدر قلق غرين – الذي يمثل حاجته إلى التحفيز المستمر ، سواء حين يكون في بلد جديد أو في علاقة مع امرأة جديدة. لكنه لم يستطع بناء علاقة شبه مستقرة الا مع شريكه حياته الأخيرة ، إيفون كلويتا ، في سنوات المنفى الضريبي ( حين يقوم الشخص بمغادرة البلاد لتجنب دفع ضريبة الدخل أو غيرها من الضرائب – م). في مدينة أنتيب الفرنسية ،. حتى ذلك الحين ، وعلى الرغم من الشهرة والنجاح اللتين حققهما ،إلا أنه كان يبدو أنه غير سعيد إلى حد كبير – يعزي نفسه بتناول الخمر والمهدئات ، وسط شعوره بالندم بشأن زواجه الفاشل ، وخوفه من فشله ككاتب ، وخيبة أمله لعدم فوزه بجائزة نوبل.
على الرغم من كل ادعاءاته بأنه يعتمد على مواد جديدة ، لا يسع مؤلف هذا الكتاب إلا أن يلجأ إلى الحوادث القديمة التي مر بها الكاتب ، من قضية معبد شيرلي إلى المشاجرة مع أنتوني بورخس. لقد كانت حياته مزدحمة للغاية ، و أن سردها في هذا الكتاب المكون من 78 فصلاً قصيرًا و 500 صفحة فيه نوع من الا ستعجال. إن التركيز على نشاط غراهام غرين كمراسل أجنبي ومخبر سري هو أكر جديد بالتأكيد. لكن ثمن ذلك كان إفراط في المعلومات حول السياسة الداخلية للبلدان التي زارها ، والتي لا ترتبط دائماً بعمله الروائي. فقد أسهب المؤلف في الحديث عن تاريخ بنما في سبعينيات القرن الماضي ، على سبيل المثال ، أكثر من تناوله لعلاقة غرين الطويلة والمعقدة مع كاثرين والستون ، قد يكون هذا الكتاب تصحيحاً للأخطاء التي وقعت فيها الكتب السابقة التي تناولت سيرة حياته. لكنه لا يفعل الكثير لشرح حياة الرجل ولا يلقي مزيداً من الاهتمام على كتاباته غير الروائية .