TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الدولة الحزينة

العمود الثامن: الدولة الحزينة

نشر في: 8 ديسمبر, 2020: 08:56 م

 علي حسين

لا تزال القوى السياسية العراقية مصرة على أن الحل في إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وأن تضاف امرأة جديدة إلى مئات الأمهات اللواتي ثكلن بأبنائهن منذ أن اندلعت انتفاضة تشرين،

من البصرة ومرورًا بالناصرية وبغداد والنجف والسليمانية، الشعار واحد لا مكان لمن يعترض أو يحتج من أجل لقمة عيشه. ليس ثمة سوى بيان خجول يؤكد فيه أصحابه أنهم سيقتصون من قتلة المتظاهرين، تلح أحزابنا "المناضلة" على أنها حامية الإصلاح، ولهذا لا يجوز للشباب أن يهتفوا ضد الفساد، الرصاص الذي انطلق في ساحة التحرير وفي الحبوبي والنجف وكربلاء والسليمانية يؤكد أن لا مكان للاختلاف، وأن ديمقراطية الصوت الواحد هي التي يراد لها أن تسود وتنتعش.

لا نزال نتحدث عن المؤامرة التي غررت بشباب الاحتجاجات، ونكاد ننشغل كل يوم بمغامرات التحليل السياسي ونتقافز على الفضائيات ببرامج فقدت صلاحيتها ، من أوصلنا إلى مشهد قتل شباب الاحتجاجات ، انها خطابات أحزابنا التي تؤكد كل يوم أن لاشيء أمضى وأنفع من طعنة نجلاء في أجساد من تعلوا أصواتهم للمطالبة بحياة كريمة؟

قبل عامين من هذا التاريخ فاجأت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الألمان والعالم بخطاب استقالتها المفاجئة معلنة نهاية حياتها السياسيّة، ولم تقدم ميركل استقالتها لأن الألمان خرجوا في الشوارع يحتجون على سياستها، ولم تسخر من شعبها مثل عادل عبد المهدي بعد أن قتلت أكثر من 700 متظاهر، ولم يسجل عليها شبهة فساد واحدة، لكنها استقالت لأن حزبها خسر في انتخابات محلية ، مما دفعها ميركل إلى إعلان تخليها عن رئاسة الحزب، وانها لن تترشح لولاية جديدة.. تخيلوا المستشارة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وعاشت معها ألمانيا أهنأ مراحلها، قررت الاعتزال، ليس لأنها سلمت مدنًا بأكملها إلى عصابات إرهابية، ولا أفقرت ألمانيا ولا "نهبت" مئات المليارات، فقط خسرحزبها الانتخابات في إحدى المدن، في الوقت الذي خسرت فيه معظم أحزابنا الانتخابات قبل أن تبدأ.

المحامية البسيطة التي سخرت منها الصحافة الأوروبية عام 2010 وتساءلت كيف لبلاد بسمارك وغوته أن تضع مصيرها بيــد امرأة بسيطة المظهر، استطاعت خلال سنوات حكمها أن تدهش العالم وجعلت من ألمانيا القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، وسوف يكتب الألمان بعد عقود عن هذه المرأة التي ضحت بمستقبلها السياسي من أجل أن تقف مع المهجّرين من المسلمين وتحتضنهم لتحصل على اللقب الأهم في حياتها "أُم المهجّرين".

السيدة ميركل التي لا تزال تحتفظ بالمركز الأول للمرأة الأقوى في العالم منذ عشر سنوات ، نرجوها قبل أن تترك كرسي السلطة أن تذكرمسؤولينا بكلمة اسمها الاعتزال، وبمفردة اختفت من قاموس العراق اسمها الاعتراف بالخطأ ، عسى أن يعرفوا أنّهم وضعوا العراق في أول سلم الدول الحزينة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. فهمي معروف

    احر تحياتي لكم الأستاذ العزيز ملاحظة بسيطة بان السيدة ميركل تحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية وليست المحامات. متمنيا لكم داوام الصحة والتوفيق والعيش بسلام.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram