TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مجرد كلام: لعنة العنف

مجرد كلام: لعنة العنف

نشر في: 14 ديسمبر, 2020: 09:03 م

 عدوية الهلالي

في عام 2003 ، اعتقدت الإدارة الأميركية أنها تستطيع توفيردولة ومجتمع مدني واقتصاد مزدهر في وقت قصير لسكان خبرتهم في الديمقراطية محدودة ..وفوق كل ذلك ، كان الشعب يعاني من ندوب عقود من الديكتاتورية والحروب المتكررة والعقوبات الدولية القاسية ،

لذا كان الانتقال السياسي الى وضع جديد لابد وأن يكون مصحوباً بالعنف الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالاحتلال وماظهر من وحشيته وما نشأ عن ذلك من خسائر بشرية فادحة، فقد ظهرت حرب العصابات والهجمات العشوائية كنتيجة طبيعية لهذا الاحتلال الذي حول العراق – بالنسبة الى القومية الاسلامية الراديكالية – الى حقل جديد للمواجهة مع الغرب ، كما أن التفكك المستمر لمؤسسات الدولة الجديد جعل اعادة بناء وتعزيز هياكل الدولة الجديدة، امرا غير مؤكد الى حد كبير ، لأن إصابة العراق ب" لعنة العنف" يجعل أي محاولة لارساء الديمقراطية بلا جدوى ..

ومن بين جميع المجتمعات العربية ، فان العراق يقف في قمة أبطال العنف السياسي والاجتماعي ، بدءاً من ثورة 1958 الدموية والمصير المأساوي لأفراد العائلة المالكة ، ومروراً بالاضطرابات السياسية العنيفة والانقلابات والمحاكمات العسكرية وصولاً الى اضفاء الطابع الشخصي على السلطة الذي حققه صدام حسين منذ عام 1979 وماأعقبه من انتشار الشعور بالخوف في جميع أنحاء المجتمع الذي تم استفزازه والحفاظ عليه من خلال التباهي بالعنف والوحشية ..لقد مزقت المآسي المتكررة العراق وشعر السكان منذ نهاية السبعينيات إنهم بدأوا يفقدون السيطرة على مصيرهم وحريتهم ،وبعد سقوط الديكتاتورية ، ساد الشعور بانعدام الأمن والخوف من انهيار التماسك الاجتماعي وظهور الفوضى و" الهمجية" مع حوادث ( النهب والحواسم) واطلاق العنان للكراهية المكبوتة ..العنف متجذر إذن في المجتمع العراقي عبر عدة مستويات منها تجربة الإرهاب البعثي والانقسام المجتمعي الذي ادخله نظام العقوبات الدولية الذي فرض على السكان في التسعينيات ، ثم العنف الحقيقي الذي اكتسح البلاد ومزق المجتمع العراقي خلال فترة العنف الطائفي ، فقد قتلت الحرب أو شوهت العديد من العراقيين وحولت العديد منهم الى لاجئين أو مهاجرين كما أثرت على حياتهم وعلاقاتهم التي خيم عليها العنف لدرجة أن الرغبة في الفرار والهجرة أصبحت حلم الشباب اليائس بعد أن أصبحت بلادنا مقبرة عملاقة !!

لن نستغرب إذن كل مانسمع عنه أو نراه من جرائم قتل وسرقة واغتصاب لأن المجتمع العراقي عانى ويعاني اليوم من أزمة اخلاقية وقيمية كبيرة خصوصا في أوساط جيل الحرب فهذا الجيل نشأ معظمه على قيم طارئة على المجتمع وغريبة عنه فهناك اليوم شباب وأطفال يحملون السلاح ولم يعد القتل مرفوضاً في اذهانهم لأنهم ببساطة لايجدون في ضمائرهم حائلاً قيمياً يستنكر الفعل ويعتبره جريمة ...إنهم لايعتدون بأية سلطة اجتماعية أو ثقافية أو دينية فهل يمكنهم أن يصبحوا قادة إيجابيين لمجتمع يحلم بالأمان والسلام بينما تلاحقه طوال عقود ..( لعنة العنف )؟...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: صنع في العراق

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram