علاء المفرجي
في مفتتح سيرته الذاتية يقول جورج برنارد شو :"يسألني الناس باستمرار: لم لا أكتب سيرتي الذاتية بنفسي،
واجيب بأن سيرتي ليست بذات أهمية؛ لم اقتل أحداً وليس لدي مغامرات بطولية ولم يحدث لي شيء استثنائي، بل على العكس، أنا الذي حدثت لهم . وقد حوّلت كل ماحصل معي الى كتب ومسرحيات . إقرؤوها أو شاهدوها وإن أحببتم وستكون لديكم قصتي بالكامل".
والكتاب الذي صدر عن دار الرافدين بعنوان (جورج برنترد شو.. يفصح عن نفسه) بترجمة مروة الجزائري، نشرت الطبعة الأولى منه عام 1939 بعنوان (شو يفصح عن نفسه) ونشرت طبعته الأخيرة بعنوان (ست عشرة صورة شخصية) بعد عشرة أعوام.
الكتابة بمثابة رد من شو نفسه عن مؤلفي سيرته الذاتية، والذين اخفقوا في وصف علاقته الحقيقية مع والديه، واعتناقه الأفكار الاشتراكية، ورأيه بماركس وانجلس تحديداً.
فالكتاب أصدق تعبير عن حياة برنارد شو حيث يتحدث بلغته العالية وبأسلوبه الممتع وخفة دمه وسخريته التي عرف بها، ليذكر لنا أشياء ومعلومات عن شو الإنسان وعن عائلته وتعليمه ومعتقداته الدينية والسياسية.
ورداً على كتّاب سيرته الآخرين رد في أحد فصول كتابه هذا وصحح المعلومات المغلوطة التي نشرت عنه؛ ومن هذه الآراء يقول رداً على مزاعم نشأته كمنشق ويلزي "إن الفكرة خاطئة تماماً، كانت أجواء عائلتنا منفتحة التفكير بشكل ساخر.".. وحول ما أظهر في عام 1889 وللمرة الاولى تأثيراً ماركسياً للمرة الأولى ، يقول رداً على ذلك: " هذا تاريخ لاحق لأن روايتي الاخيرة (الاشتراكي الانطوائي An Unsocial Socialist) هي ماركسية بحتة، وقد كُتبت عام 1883 . بينما بدأت جمعية فابيان عام 1884، واخترتها لمنصتي، بعد أن هضمت كل كلمة لماركس وقعت يدي عليها بالفرنسية، لم يكن هناك شيء بالأنجليزية (حرفيا).. ثم يقول ردا على أحد هؤلاء من أنه تخلى لاحقاً عن ماركس من أجل السيد سيدني ويب: "لم اتخلَ عن ماركس أبداً. ففي مبادئي، أنا ماركسي أكثر من أي وقت مضى.".
ولد جورج برنارد شو في دبلن بأيرلندا من طبقة متوسطة واضطر لترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره ليعمل موظفاً. كان والده سكيراً مدمناً على الكحول مما شكّل لديه ردة فعل بعدم الاقتراب من الخمر طوال حياته، كما كان نباتياً لا يقرب اللحم الأمر الذي كان له أثراً في طول عمره وصحته الدائمة. تركت أمه المنزل مغادرة إلى لندن مع ابنتيها ولحق بهم شو سنة 1876. ولم يعد لايرلندا لما يقرب الثلاثين عاماً.
فقد عاش شو حياة فقيرة وبائسة أيام شبابه وعندما أصبح غنياً لم يكن بحاجة لتلك الجائزة التي تُمنح أحياناً لمن لا يستحقها.. ولأن حياته كانت في بدايتها نضالاً ضد الفقر، فقد جعل من مكافحة الفقر هدفاً رئيساً لكل ما يكتب وكان يرى أن الفقر مصدر لكل الآثام والشرور كالسرقة والإدمان والانحراف، وأن الفقر معناه الضّعف والجهل والمرض والقمع والنفاق. ويظهر ذلك جلياً في مسرحيته "الرائد باربرا" التي يتناول فيها موضوع الفقر والرأسمالية ونفاق الجمعيات الخيرية. عندما غادر إلى لندن بدأ يتردد على المتحف البريطاني لتثقيف نفسه الأمر الذي كان له الفضل الكبير في أصالة فكره واستقلاليته. بدأت مسيرته الأدبية في لندن حيث كتب خمس روايات لم تلق نجاحاً كبيراً وهي: " عدم النضج" و" العقدة اللاعقلانية" و"الحب بين الفنانين" و" مهنة كاشل بايرون " و" الاشتراكي واللا اشتراكي " لكنه اشتُهِر فيما بعد كناقد موسيقي في أحد الصحف. ثم انخرط في العمل السياسي وبدأ نشاطه في مجال الحركة الاشتراكية socialism وانضم للجمعية الفابيّة (وهي جمعية إنكليزية سعى أعضاؤها إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية.) كان شو معجباً بالشاعر والكاتب المسرحي النروجي هنريك إبسن (الذي يعتبر أعظم الكتاب المسرحيين في كل العصور. وكان السبّاق في استخدام المسرح لمعالجة القضايا الاجتماعية). فكان تأثير إبسن واضحاً على شو في بداياته.
رغم تركه للمدرسة مبكراً إلا أنه استمر بالقراءة وتعلّم اللاتينية والاغريقية والفرنسية وكان بذلك كشكسبير الذي غادر المدرسة وهو طفل ليساعد والده ومع ذلك لم يثنه عدم التعلم في المدارس عن اكتساب المعرفة والتعلّم الذاتي. فالمدارس برأي برناردشو " ليست سوى سجون ومعتقلات".