عمــار ســاطع
قبل أن يقرأ أحدكم، شيئاً ممّا أكتبه في هذه الزاوية، فإنني لا أعني مهند جعاز بشيءٍ، بقدر ما أعنيه من شعور الألم الذي ينتابني وأنا اكتب وربما هاجمتني الحسرة فيما سأقول، فالمنتخب ليس خيار القبول والرفض، بقدر ما هو حرص ومسؤولية وشرف التمثيل له ما بعده شرف، وأنا هنا لا أقيّم وطنية أي شخص وقيمة حبّه للعراق، لكنني أتحدث عن حالة من حالات كثيرة، شخّصتها وحان موعد الكتابة عنها!
فبين مؤيد ومعارض لفكرة الابتعاد المُقنِع، وبين مُتفق مع الطرح وبين مناهض لقضية التواجد المُخيّر، أصبح تأريخ اللاعبين المغتربين العراقيين خارج البلاد في عُنق زجاجة!
المفاجأة التي سجّلها تصريح اللاعب مهند جعاز، المغترب في صفوف نادي هاماربي الذي ينشط في الدوري السويدي لكرة القدم، برفضه تمثيل منتخبنا الوطني في الاستحقاقات القادمة، لم يكن مألوفاً فقط، بل كانت صدمة حقيقية للردود التي توالت ولم تنته!
تلك الردود والتعليقات للأمر اصابتني بالدهشة، جرّاء اعتبار قيمة الوطن أقلّ من ذلك الإصرار على التصريح والتمسك به، فالأمر لم يكن إشاعة، بل كان مصرّحاً به من قبل الأخ باسل كوركيس المدير الإداري للمنتخب، مثلما كان التفاعل إيجابياً مع قرار مهند، أكثر من امتلاكنا للشعور بخيبة الأمل لذلك القرار الخطير، والذي قد يصل الى أن يكون عُرفاً تُبنى عليه إصلاحات الحال في قادم الأيام!
نعم .. احترم قرار مهند جعاز، الشخصي، لكنّني أقف بالضد معه تماماً لكون الأمر يُعني مصلحة وطن ومُهمّة بلد وسُمعة منتخب وقيمة العراق وعراقته وتاريخه الذي يمتد آلاف السنين، حتى مهما كانت أسبابه وظروفه ووضعه، فاللاعب هو عراقي أباً عن جد، وسبق وأن مثّل منتخبات الفئات العمرية وهو ثروة وطنية، حتى وأن كان يقطن خارج حدود البلاد، نعم اللاعب موهوب وله تأثيره ومكانته محفوظة ومحترمة مهما تبدّلت الأحوال!
علينا اليوم أن نقف عند العلّة في قرار مهند، المتسرّع والغامض، وأن نجد الدواء لداءٍ طويل وعميق، هزّ كياناً مُهمّاً ومؤثراً أسمه المنتخب الوطني العراقي، مثلما علينا أن نوقف هذا المدّ الحاصل ضد المغتربين والتفرقة التي يواجهونها من قبل ترسانات وجيوش الكترونية، تسقط هذا وترفع من ذاك، تهزّ من لاعب وتدعم لاعب آخر، وأن نشخّص ما يحدث تجاه لاعبين يملكون إمكانيات ومستويات جيدة، تعزّز تواجدهم مع تشكيلة المنتخب من حظوظه وترفع من شأنه فنياً وتزيد من قدراته!
وفي تصوّري الشخصي إنني لن أجد أكثر من وصف (الكذبة الحقيقية) لما يحدث من واقع مؤلم للاعبين يُعتقد أن مكانتهم محفوظة حالها من حال لاعبي السوبر الستار من الذين يتواجدون في دورينا الممتاز، أو حتى أولئك المحترفين من طينة بشار رسن بنيان، أو غيره من لاعبين يرفعون اسم وسمعة اللاعب العراقي خارج الوطن!
بالعودة الى قرار مهند جعاز، استغربت من كمية الردود التي أحدثها خبر رفضه تمثيل المنتخب، وأكثرية التعليقات أجمعت على أن قرار اللاعب كان صائباً، بل جاء حفاظاً على قيمته واحترامه لاسمهِ، بينما أثنى الأغلبية على رأيه، بمقابل التنديد والانتقاد من جرّاء سوء التعامل أو الإهمال المتعمّد، مذكرين بما حدث مع لاعبين سابقين، بينما بقي القلّة القليلة يصمدون ويعتبرون الوطن أهم من أي شيء آخر!
تخيّلوا أن الأقلية تدافع عن الوطن، والنسبة الأكبر تهتم بأمر اللاعب وقراره الذي اعتبروه صحيحاً وسليماً وجاء في وقتهِ، تصوّروا الى أي مدى وصلنا مع الوطن والوطنية، وعن أي نقطة نتحدّث، نواجه بعضنا في قضية محسومة، تختلف فيها الآراء وتتباعد فيها وجهات النظر، الوطن والوطنية، تفعل ما تفعل، مع أننا لا نتكلّم عن سقوط الآراء، برغم أن عائلة اللاعب أبدت استغرابها وإنزعاجها وأحبطت، وربما ثارت ثورتها تجاه قرار أبنها الموهوب، مهند، سيما أن القرار قراره، غير أن الدفاع عن سمعة الوطن شرف ما بعده شرف!
أقول .. أحياناً يكون الارتقاء مبكّراً الى القمّة نعمة فضيلة، وأحياناً يكون السقوط الى الهاوية نهاية لمن يعتقد أنه أعلى شأناً من شيء أسمه الوطن!
أخيراً.. فالوطنية، شعور وإحساس ومسؤولية.. الوطنية انتماء وحُب وقدر لا يغيّرها شيء مهما كان ومهما حدث!