ترجمة/ احمد الزبيدي
صدر عن جامعة ييل مؤخراً كتاب من تأليف هارولد بلوم ، الذي توفي العام الماضي عن عاماً ،والذي كان ناقداً أدبياً أمريكياً وأكاديمياً في جامعة ييل بعنوان (من يشهر السلاح على بحر من الهموم) .
في هذه المقالة يناقش الروائي والناقد الانجليزي فيليب هنشر هذا الكتاب . ويبدأ بالإشارة الى أن هارولد بلوم ينحدر من أصول متواضعة للغاية ، وكانت اللغة الإنكليزية هي اللغة الثالثة فقط التي تعلمها في طفولته ، بعد اليديشية والعبرية. وحقق نجاحات ملفتة للنظر في جامعتي كورنيل وييل ، على الرغم من انتشار أفكار معاداة السامية بشكل رهيب في الجامعات في ذلك الوقت - فقد قيدت جامعة ييل بشكل غير رسمي عدد اليهود بنسبة في المائة من الطلاب حتى الستينيات. وقد قام بالتدريس هناك منذ عام تقريباً حتى يوم وفاته ، وشكل مصدر إلهام لا شك فيه لعدد من الأجيال.
كان كاتباً غزير الإنتاج ، أنتج أربعة عشر كتاباً. بعضها غريب الأطوار إلى حد ما ، بما في ذلك عمل يتضمن نقد لنصوص من الكتاب المقدس وقام بتأليف رواية. كانت مساهمته الرئيسة في عالم النقد الأدبي صياغته لنظرية التأثر ، ودفاعه المفعم بالحيوية عن الأعمال الأدبية للكتاب الغربيين التقليديين.مما جعله في السنوات اللاحقة ،موضع اتهامات متكررة بالتحرش بطالباته – وهذا الأمر جدير بالذكر فقط لأن العقول المتطرّفة في الجامعات الأميركية ، كانت تنظر الى التغني بمآثر الأدباء الراحلين من أمثال شكسبير وميلتون ووردزورث و التحرش الجنسي على انهما شيء واحد .
تقترب نظرية التأثيرلدى بلوم من أفكار فرويد بشكل لافت للنظر. فحسب هذه النظرية ، فان ما يوقد الرغبة في الكتابة لدى الكاتب هو حبه وتأثره باعمال بعض أسلافه من الكتاب الذين يعتبرهم من العظماء، أما الاستياء من بعضهم فيدفعه لتجاهل ما خلفوه من إرث من أعمالهم. هناك من يقرأون أعمالهم بشكل خاطئ للغاية،فيكتبون شيئاً جديداً من خلال تجاهلهم تماماً ، وهناك كتاب "ضعفاء" ، يكررون ما كتبه أسلافهم. إنه تصنيف جذاب ، لكنه لا يتلاءم مع الواقع. فهو يستبعد الكتّاب الصغار الذين يفعلون شيئاً جديداً تماماً – مثل الروائية آنا كافان أو الروائي هنري غرين - وإمكانية وجود كاتب متميز يكتب بالأسلوب التقليدي الكلاسيكي.
كما أنه يتجاهل حقيقة أن الكتّاب لا يقرأون فقط أعظم أسلافهم. فرواية الجبل السحري للكاتب توماس مان تبدأ مع استخدام اثنين من أسوأ أنواع الأساليب في الأدب الألماني ، الأسلوب الرومانسي و ما يعرف برواية التشكيل ، وفيما بعد يقوم المؤلف بتحويرهما. أما عند الحديث عن المصدر الرئيس الذي استقى منه شكسبير لمسرحية عطيل (من قصة مشابهة وردت عن كاتب إيطالي اسمه جيوفاني باتستا - المترجم) يكون الأمر محرجا للغاية. إن دفاع بلوم عن الكتاب التقليديين لا يفي بالغرض ، حين يحصر المشهد الأدبي بعدد قليل جداً من القمم الأدبية ، متجاهلاً بعض السحب التي ترتفع الى جانبها .
يمكن للنقاد الأدبيين القيام بواحد من شيئين مفيدين. يمكنهم وضع الأعمال الأدبية في سياقها التاريخي - ما يعنيه مؤلفوها من كتابتها ، وما فهمه قراءها منها ، وكيف تم إنتاجها وما إلى ذلك. وهذه القضايا تطرح دائما أسئلة ثرية وصعبة. ثانياً ، يمكنهم شرح ماهية جوهر العمل من خلال التحدث عن اللغة المستخدمة. الناقد الذي لا يستمتع بالكلمات أو الجمل ، أو الذي لا يستطيع شرح نكهتها ، لن يستوقفنا طويلاً.
يحمل الكتاب عنواناً غريباً ( من يُشهر السلاح على بحر من الهموم)؛ فهذه العبارة هي التي قصد بها هاملت الانتحار ، وما يأتي بعدها عادة هو انتهاء حياتك كقارئ. يتكون الكتاب من فصلاً يتناول فيه المؤلف تسعة عشر كاتباً راحلاً. لا يمثل العنوان دليلاً واضحاً لجوهر ما يحويه الكتاب
الحقيقة أن بلوم لا يهتم في هذا الكتاب سوى بما يعنيه الأدب ، وفي النهاية بما يعنيه بالنسبة له ، وليس بما هو عليه. وهذا يجعل الكثير من الموضوعات تغيب عنه. فهو لم يتطر ق أبداً الى الأدب الفكاهي. إن الفكرة القائلة بأن أساتذة الأدب الفكاهي مثل الكاتب بي جي وودهاوس أو الروائي إلمور ليونارد قد يكونا أفضل من ألف كاتب متشائم طواهم النسيان ممن حصلوا على جوائز هي فكرة غريبة عنه. فهو حين يشير الى الشاعر ويستن هيو أودن يستنكر وصفه عبارة الشاعر شيلي حول الشعراء كونهم "المشرّعين غير المعترف بهم في العالم" بأنها كانت "أسخف ملاحظة على الإطلاق قيلت بحق الشعراء". بالطبع كان أودن على حق. الشعر لا يشرّع. إنه لا يقدم عروضاً و اقتراحات. يمكن أن يتناول أشياء ليس لها معنى على الإطلاق ، أو يمكن أن يحث على القيام باشياء فظيعة.
كان بلوم نتاج ثقافة المناهج التربوية التي تستخدم نصوص الكتب العظيمة و التي روجت للأدب باعتباره ذا أهداف نبيلة ومستقيم أخلاقياً. وبالطبع ، فانه عند الحديث عن بايرون ، يمكن أن يتناول "الشاعر المجنون بعشيقته اليونانية المراهقة ...و التي استحوذت على ثروة كبيرة للشاعر المفتون بها ". إذا كان هذا هو موقفك منه ، فماذا ستقول عن قصيدته الشهيرة بيبو "" ، التي تتحدث عن الزوجة التي دخلت في علاقة عاطفية ثلاثية مع زوجها وعشيق آخر لها؟ ربما يقول أحدهم إنه استعارها من قصيدة الشاعر الانجليزي جون ملتون الفردوس المفقود.
لا أحد يستطيع أن يشكك بمزايا أسلوب تفكير هارولد بلوم التي تظهر في كتابه الأخير. لكنها تشير ، بحدة مؤلمة ، إلى أن الناقد ربما لم يكن لديه سوى القليل من الفهم لكيفية صنع الأدب – والذي لا يكون دائماً نتاجاً للأفكار ، كما كان يشرح الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه بصبر للرسام الفرنسي بول سيزان. إنه لا يحقق تأثيره بوصف النص الادبي إنه " مضحك" أو " مؤثر للغاية". إنه يستمتع بالتعبير عن فرادته وأفكاره الخاصة – وأن التفكير في ما سرقه الكاتب من الآخرين يجرده من طموحه.
قضى بلوم حياته يتحدث عن الأدب إلى جمهورمفتون بآرائه ، لكنه يبدو لي في النهاية كما لو أنه أخطأ الهدف ، حين وصف قصيدة تحت قيادة بن بلبن" التي كتبها الشاعر الأيرلندي دبليو. ب. ييتس إنها "سيئة" '. حسناً ، كانت تلك هي القصيدة الأخيرة للشاعر ييتس ، وهذا هو الكتاب الأخير للناقد هارولد بلوم. وأنا ليس أمامي سوى أن اتعجب - كما اعتاد الروائي الانجليزي رونالد فيربانك أن يقول عندما يسمع شيئاً سخيفاً بشكل غير عادي
عن مجلة ذاسبيكتاتور