ناجح المعموري
كم يشعر المثقف والمتهم بشؤون الفكر والمعرفة بالحزن والاحساس بالخسارة ، لحظة ما يتعرف على مفكر اطلع على احد مصادر المعرفة في الحاضر ،
وهو ــ المفكر ادغار موران والذي قادني إليه منشورات جامعة الكوفة عبر كتابه في علم الجمال ، وعلى الرغم من قلة صفحاته لكني اكتشفت فيه مفكراً جمالياً مهماً وبالغ الاهمية . وأنا لا أريد الحديث عن هذا الكتاب ، لكني اذكر به لأنه صادر في العراق بسبب أهميته وما تميز به من فطنة في ملاحقة المراكز الجوهرية في علم الجمال ، وكنت سعيداً لأني استفدت منه بشكل مباشر وغير مباشر في بحث طويل استيقظ الآن ، بعد أن سبت طويلاً وهو " شعرية رسوم الكهوف " .
إدغار موران . أحد أبرز مفكري العالم ، حصلت على عدد من مؤلفاته المهمة جداً وكان أول ما اطلعت عليه في علاقتي معه الجديدة " هل نسير نحو الهاوية ؟ وواضح من عنوان الكتاب بأن موران يتحدث عن الآن وكأنه ــ هو الصحيح ــ عرف ما سيكون عليه العالم في هذا الزمن . وعندما ابتدأ بكتابة هذا المشروع المعرفي القصير والمهم عن العالم وما يعيشه الإنسان المعاصر من انهيارات وانكسارات وخسائر ولقد قدم قراءة عميقة ، كشفت إمكاناته في الاستشراف ومعرفة ما سيكون عليه العراق من خلال فصول الكتاب : أزمة الحداثة / ما بعد الأنوار تحدي العولمة / ظهور المجتمع العالمي . ركز موران على أن الفرد في هذا العصر ، حيث تتشكل ملامح جديدة للعالم ، يواجه مصيراً جمعياً . وليس وحده وهذا أهم ملاحظات موران الجوهرية ، بمعنى الخسران والانتحار مكشوف ، ومتماثل ، واستشرف بحديثة بعد أربعة عشر عاماً من صدور كتابة ما يعانيه العالم الغني والفقير ، وتساوى الإنسان مع غيره بالمصير ولحظات تعايش الفجيعة ، ومواجهة بني البشر للمصير الحتمي الذي نرى فيه ونواجه المصير والتهديدات المميتة نفسها " بدت المركبة الفضائية الأرض في تزايد ، لا يحكمها تقنين ، وفي سياق منفرد له أوجه متعددة هي العولمة والتغريب والتطور والنمو .
وقال إدغار موران في مقدمة كتابه " هل نسير نحو الهاوية ؟ الى الجديد في الأزمة التي تعيشها المجتمعات النمطية وذات المعروفات التقليدية ، حيث تخندق وسط أزمات صعبة ومعقدة : لكن هذا لا يعني المجتمعات العربية والآسيوية وأيضاً بعض بلدان الشرق ، لأن دول العالم المتقدمة التي تعيش تفاصيل الحداثة تقف وجهاً لوجه مع بلداننا مصير مشترك وواحد " وإذا بفكرة التقدم التي كانت الى عقود قليلة ماضية تبدو وكأنها القانون الجبار الناظم للتاريخ ، قد باتت تترك مكانها للايقين وللمخاطر وصنوف التهديدات" .
وواضح بأن جوهر هذا الكتاب هو ما آلت اليه تمظهرات العولمة الآن " باعترافه " بوصفها أسوأ شيء عرفه العالم " حيث بدأت تسرع صوب الهاوية إن فتحت المنافذ اليها . وأفضل شيء " فلأول مرة في التاريخ يمكن لنا المصير الأرضي المشترك أن نتصور أرضاً وطناً لا تلغي أوطاننا بل تجمعها وتحتويها ، مثلما أشار للسيرورات واعترف بالإيجابي المتحقق ، لكنه أوضح تفاصيل ما هو سلبي ، لأن المحتملات الكارثية المتوقعة التي نوّه إليها والى أن من غير المحتمل قد وقع في التاريخ .
القراءة الحيوية ، المتحركة غير قطعية أو جازمة ، على الرغم من أنه شخّص الظواهر بدقة . ولأنه عقل معرفي كبير ، لم يتجاهل الوجه الآخر الذي تكشفه المرآة لذا لم يغفل ما يمكن أن يظهر جديداً ، أننا حيثما نعتقد بوجود المخاطر فهنالك يوجد كذلك ما ينقذ ويخلص " بمعنى أن المخاطر التي صارت تزداد تبدياً قد باتت تسعف كذلك على استيعابها بأوجه متعددة ، وهو وعي ربما كان باعثاً على الأعمال المخلصة منها .
إدغار موران يعرف جيداً ما قاله ضمن فصول كتابه التي فتحت الأبواب لعقد حوار مع شعوب العالم من أجل التشارك بطرح الأسئلة والاطلاع على الأجوبة وأكد بأنه على بينة من الظلم الواقع في عدم تفهم الغرب للعالم العربي والإسلامي . فذلك تراني .