ترجمة / أحمد فاضل
قال ليو تولستوي لزوجته سونيا في 2 آذار 1877 :" لكي يكون الكتاب جيداً ، يجب على المرء أن يحب فكرته الأساسية والجوهرية ،
وهكذا في آنا كارنينا ، أحببت فكرة العائلة بكل جنونها " . هذه الكلمات نسختها سونيا في مذكراتـها في 3 آذار من نفس العام ، حيث تظهر هذه " الفكرة " من خلال حبكة آنا كارنينا ، التي نُشرت بين عامي 1874 و 1876 ، وغالباً ما اشتهرت بأنها أفضل رواية كتبـت على الإطلاق. بدأت القصة بزيارة بطلة الرواية آنا كارنينا لبيت شقيقها لتصلح الخلاف الذي جرى بينه وبين زوجته بسبب خيانة الزوج وبحنكتها تستطيع أن تبعد تلك العاصفة عن بيت أخيها لكنها تقع في حب ضابط فارس من أسرة نبيلة وهو فرونسكي حيث يلتقيان على نفس القطار ، ومنذ ذلك الوقت يبدأ الصراع النفسي في داخلها وتشعر بأنها أصبحت تكره زوجها وترى فيه الكثير من السلبيات التي لم تكـن تراها سابقـاً ، وبعد صراعٍ طويل تختار حبيبها وتتخـلى عن زوجها وطفلها لأنها لا تستطيع أن تحافظ على حب طفلها وحبيبها في نفس الوقت، فنبذها المجتمع بعد ما كانت عليه من مكانة محبوبة فيه ، وفرونسكي بدأ يزهد فيها ويبتعد عنها إلى أن هجرها بعد ذلك وتحولت حياتها إلى جحيم وينتهي الصراع بأن تلقي بنفسها تحت عجلات القطار الذي بدأت عنده قصة وقوعها في الحب .
كونستانتين دميتريش ليفين وكيتي ، كل ما يلمع ليس ذهباً : عندما واجهت الاختيار بين اثنين من الخاطبين ، ليفين وفرونسكي ، اعتقدت كيتي البالغة من العمر 18 عاماً أنها تفضل الأخير ، الذي هو أكثر وسامة وجاذبية ، وعلى الرغـم من أنه كان يغازل كيتي بشكل علني ، إلا أن فرونسكي يقع في حب آنا بسرعة ، لكنه في النهاية يتركهما محطمتين ، من ناحية أخرى يبدو ليفين غريب الأطوار لعامة الناس ، لكنه يثبت أنه شريك موثوق به .
يجب أن يكون الطلاق خياراً مقبولاً اجتماعياً:.
غالباً ما تتم مناقشة إحصائيات معدل الطلاق كما لو كانت بمثابة ناقوس موت للسعادة الزوجـية ، بالطبع يمكن أن يكون للطلاق عواقب سلبية قصيرة المدى على الأطفال ، لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن معظمها يتكيف بشكل جيد على المدى الطويل ، نعتقد أن تولستوي ( أو على الأقل عدد قليل من شخصياته ) كان سيكون ممتناً لهذا الخيار ، تخيل لو كان بإمكان آنا وكارنينا الطلاق دون اعتبار الفعل فضيحة تدمر الحياة ! حسناً ، سيكون لدينا كتاب كلاسيكي أدبي أقل إثارة للاهتمام بين أيدينا . ربما يكون التسرع في الزواج غير حكيم :يتم تأجيل الزواج أكثر فأكثر هذه الأيام ، مع ارتفاع متوسط سن الزواج إلى 27 للنساء ، و 29 للرجـال ( ارتفاعاً من 23 للنساء ، و 26 للرجال في عام 1990 ) ، ويمـكن القول إنها خطوة ذكية ، على الصعيدين العاطفي والمالي ، ربما لم يتنبأ تولستوي بهذا الاتجاه ، لكنه ألمح إلى صعوبات العمـل ضمن نظام مغازلة صارم ، ليفين البالغ من العمـر 32 عاماً في الرواية ، يتزوج الأحدث والأكثر سعادة .
كتب جوشوا روثمان في مجلة نيويوركر عن هوسه بـ "آنا كارنينا" ، فسرها على أنها قصة حب ، لكنـه وافق لاحقاً على اكتشاف الحقائق المظلمة للرواية ، فمن وجهة نظر تولستوي ، إنها بيان لحقيقة حول الكون لا يتزحزح ، ترى ما هو ؟
من المؤكد أن القوانين التعسفية التي تحدد مصير آنا غير عادلة ، لكنها لا تزال موجودة ، غالباً ما يكون القلق بشأن "العدل" و "الظلم" أمراً مغرياً ، ولكنه قد يكون أقل إنتاجية من تحديد طريقة إيجابية للتعامل مع المواقف غير العادلة.
الرومانسية والحب الحقيقي موجودان :من الواضح أن قصة " آنا كارنينا " مأساة ، تخاطر المرأة بكل شيء تملكه ، بما في ذلك حياتها الخاصة ، سعياً وراء الحب الحقيقي ، والسعي وراءه يكون قاتلاً في النهاية ، لكن هناك قدراً كبيراً من السعادة وسط الأحداث الصادمة لهذه الرواية . ينصب اهتمام ليفين على كيتي منذ اللحظة التي يضع فيها عينيه عليها (على الرغم من أنه اعترف بسحق أخواتها أيضاً ) ، ويستمر في ملاحقتها حتى بعد رفضه ، يكافح الزوجان خلال بداية زواجهما ، ولكن في النهاية ، يخلقان حياة ممتعة معاً . أما ليفين غالباً ما يتعرض للمضايقة بسبب أسلوب حياته من قبل أقرانه البرجوازيين ، فهو صاحب الأرض الذي يفخر بالاستيقاظ مبكراً لحرثها ولا يتردد أبداً على الأوبرا أو المشاركة في النميمة ، وغالباً ما يعمل ليفين جنباً إلى جنب مع الفلاحين الذين يوظفهم ، وكان من المعروف أن تولستوي فعل الشيء نفسه ، كما فتح المؤلف مدارس لأبناء أقنانه ، وغنى بصوت عالٍ بمدح أسلوب حياتهم .إن متعة قراءة " آنا كارنينا " تكمن في البحث عن الحقيقة ، وليس باكتشافها.
