د.فاتن حسين ناجي
يولد الجمال من اجتماع اللامتوقع والمتعدّد , وبين تعددية الرؤى وتنافُذ الأثر الجمالي للصورة والفعل والتشخيص تتناثر نصوص إيمان الكبيسي لتشكل هالة من التكوينات الموضوعية المُشخّصة التي تحمل أكثر من مركز وتمنح إمكانية صناعة الوجه الواقعي للطروحات الحديثـة ، انطلاقاً من نسبية الحقائق الاجتماعية، وسببية ظهورها.
في البحث في أزمة الإنسان وأزمة المرأة ، الناشئة من اصطدامها بالواقع المحيط ، ودخولها في دائرة مُخلفات اجتماعية، وإدراكها مشكلة الضياع النفسي للإنسان ، وتأكيد الانفصام الدلالي بين الفرد والمجتمع .وهذا ماعمدته الكاتبة في تقديم الصورة المركّبة التي تهدف لإثارة الصدفة والتضاد كل ذلك تجسد في (ايوب) المجموعة المسرحية التي ضمّت خمسة نصوص ( رصيف 77, نشاز. المصباح المنير , روليت , ايوب ) ومن الشواخص المهمة على ما ذُكر نص (رصيف 77) الذي حدّد بشكل مباشر تأزم العلاقة بين الفرد ومجتمعه بين الذات الانثوية التي تسعى للحرية وترفض أن تتسول ظل رجل ذلك الذي ينادي بانه شهريار والحجاج وهتلر والطاغوت , إذ تَجلَّت السلطة في هذا النص على هيئة صراع الذات الانثوية مع الرجل الذي كان سلبيا . جدليا ومتفوقا على (الذات) ومسيطرا عليها ، فالذات الذكورية هنا تسلُّطيةً ، ومتعالية فتحت أمام (الذات الأنثوية ) باب للتمرد والرفض ,رفض الأعراف والتقاليد والفكر والنمط الاجتماعي وحتى التكوين النفسي لـ(الذات) وتقاليدها الأدبية ، مما يعمل على تأطير خطاب (الذات) بلون إرادة هذا النسق .ولانخرج عن أطر الذات الأنثوية في نص (نشاز) ،إذ نجد الأطر العامة تدور حول فصل بنية الفرد عن البُنى التي يُؤسسـها المجتمع والتقاليد ، فقد اتجهت الكاتبة إلى تفعيل دلالة النص على حساب وجود الذات الأنثوية المستلبة تحت مسمى العنوسة ، وبين رفض مفردة العنوسة وتحطيم جدار الوحدة تخشى (هي ) أن يذبل جمالها ويخف توهجها الأنثوي وتضيع أنوثتها بين الضوء والعتمة إذ العلاقة الجامعة بين هي وهو في هذا النص هي علاقة التأثير والتأثر بين السلب والإطاحة وتبني الأفكار الشاذة التي تقود الجمع الى نشاز ، من خلال ملازمة الخبرات الباطنية الروحية المتوارثة من التقاليد البالية ، كل هذا ترفضه المرأة التي صاغتها الكبيسي بصورة القوة والمواجهة .وتلك القوة التي اعطتها للذات الأنثوية ورّثتها للأرض التي تلفظ الأجساد في نص (المصباح المنير) فعندما ترفض القبور إسكان الظالم وتلفظه وتصرخ لا يطأها إلا المطهرون ترفض الأرض الظلم الذي ينهال على أهل الأرض .كيف الطفل يقتل لأن أباه أراد الحق وكيف المرأة تغتصب لأنها اثارت غريزة الظالم كإشارة الى نساء سنجار وتمثل الارتباط الحيوي بين عالم الموت والعالم الإنساني ، وتعكس مجمل الأحكام التي من حق الأرض بترابها أن تصدرها ضد الآخر بكل ماتملكه من التعاليم والوصايا لأنها تمثل مصدر الخصوبة للحياة وبانحدارها نحو جسد الظالم تنحدر حياة الإنسان. و في إطار الرموز الصورية التي تتجسد على هيئة شخوص، وبذلك يتم تفكيك الإنسان والعالم ، وتظهر مجموعة منظورات متعددة ، متصارعة ، بدلاً من المنظور الإنساني يدخل المنظر الآخر وهو الأرض تقف ضد الممارسات الإستبدادية ضد المظلوم وهي ذاتها الممارسات الاستبدادية لكن ضد الثقافة تتجسد في (روليت ) كيف يتم أغتيال الثقافة وإثارة الفوضى للولوج إلى بنية الطرح الثقافي والأدبي ، وتثبيت هموم وطروحات العقل الإنساني , والتاريخ ، والحضارة ـ بكلّ أشكالها ـ وموقف الآخر إزاء تلك الاغتيالات الفوضوية وغير المنتظمة . تلك الفوضى ذاتها تتسلل الى الفرد وهو يبحث عن مفتاح النجاة ويبحث عن الإنصاف في نص( أيوب ) إذ الفقير لامكان بين الآخرين لأنه لايمتلك هدية للموظف, والطالب ليس له حق النجاح إلا بالهدايا والمريض ليس له مكان لعلاجه ,الكل يجب أن يبيع ليشتري حياته ,لابد للإنسان لكي يعيش أن يعرض نفسه بالمزاد, بتلك الحوارات المؤلمة تسلط الكبيسي الضوء على معاناة وصبر الإنسان في زمن ينضح بالفوضى بعلاقة طردية بالفردية ، فهي ذات امتداد كبير جداً على الصُعُد والمستويات . الاجتماعية ، والسياسية ، والثقافية ، والاقتصادية ، وحتى النفسية . إذ عمدت الكبيسي على العزف على أوتار التعدّد والاستمرار في المعـنى وتشتيت المركزية ، والقصد من هذا التعدّد نفي المراكز للوصول الى تعدد معنى الطرح وعدم ثبوته على اتجاه دون آخر أو فرد أو جنس دون آخر . إذ تؤكد على بيان التعدّدية الحاصلة في نظام المدلولات ذاتها وهذا نجده واضحاً في تناولها للواقع الراقي وانعكاسه على النص بصورة غير مباشرة ، انطلاقاً من مبدأ اختلاف الدلالات ، والتركيز على حركة الدوال ، سواء أكان الأنثى أم الأرض أم الشاعر فالجمع هو ذاته الواقع تحت طائلة التناقضات الواقعية .
جميع التعليقات 1
د ايمان الكبيسي
قراءة واعية فاحصة صديقتي