TOP

جريدة المدى > عام > صيف بيروت عام 1991.. كما وثّقه حسين الهنداوي

صيف بيروت عام 1991.. كما وثّقه حسين الهنداوي

نشر في: 26 ديسمبر, 2020: 08:43 م

علاء المفرجي

بعد حرب طويلة ومنهكة استمرت خمسة عشر عاماً، جاء صيف بيروت عام 1991 ، فحظرت جميع الميليشيات تقريباً في عام 1991،

وبدا أن لبنان يتجه نحو مرحلة جديدة وإيجابية في تاريخه السياسي المعاصر، وأخذ لبنان يستعيد تدريجياً نمط الحياة الطبيعية، وبدت الدولة عازمة على فرض سلطتها وتفعيل دور مؤسساتها – بما فيها الجيش والقوانين– التي انهارت خلال الحرب، مما خلق مناخاً مؤاتياً لعودة حكم القانون واحترام الحقوق والحريات على أساس دستور 1943.

يعمد حسين الهنداوي في كتابه (لبنان 1991.. رِحلةٌ في كوكَبٍ مُمزّق) الصادر عن دار المدى، الى محاولة توثيقية، لتسجيل أحوال لبنان السياسية والأمنية والقضائية، كما كانت عليه فعلاً في عام 1991، وهي كما يشير في مقدمة الكتاب: كُتبت دفعة واحدة في حوالي الشهر الأخير من ذلك العام، أي مباشرة بعد انتهاء الحرب الداخلية اللبنانية المسلحة التي امتدت ما بين حزيران 1975 وتشرين الأول 1990.

الكتاب هو دراسة وثائق للمؤلف خلال فترة عمله ، كمبعوث لمنظمة العفو الدولية في لبنان بين منتصفي عامي 1991 و1992 ،ترصد الطبيعة السياسية والأمنية التي عاشها لبنان في تلك الفترة، وهي الفترة التي تشكل منعطفاً كبيراً في تاريخ لبنان، أقلها تؤرخ فترة نهاية حرب منهكة متستنزفة تبادلت في الخنادق، كما تبادلت المصالح للقوى السياسية الفاعلة في لبنان، وأيضاً تدخلات الدول الإقليمية والكبرى فيه.

يقول المؤلف: " ولقد هدفت هذه الصفحات في الأصل إلى توصيف أحوال حقوق الإنسان والحريات ومؤسسات القضاء في لبنان في لحظة ما بعد الحرب الداخلية تلك مباشرة ولفت الانتباه إلى معاناة وحقوق ضحايا الانتهاكات الواسعة التي شهدتها فترة الحرب مثل أعمال القتل المتعمد والعشوائي وحوادث الاختطاف والفقدان التي شاركت فيها معظم الأطراف المتصارعة لا سيما الرئيسة منها. وإذ ظلت مادتها حبيسة الرفوف كمخطوطة لما ينيف على ربع قرن من الزمن من تاريخ تدوينها، فذلك لأن سرعة وسعة التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي والأمني اللبناني بعد 1992 أفقدتها حرارتها الأولى بل جعلتها مجرد نبش في ماضٍ قاتم يجهد الجميع من أجل نسيانه."

فالكتاب بموجب ذلك لا يمثل إلا جانباً من حصيلة المعلومات والأفكار والتصريحات الخاصة والوثائق التي تجمعت لدى المؤلف خلال فترة عمله، والتي سمحت له بإعداد هذه الدراسة. و"هناك مئات الصفحات الأخرى من الوثائق والملاحظات الميدانية والخاصة من بينها مذكرات عن كل لقاء أجريته مع كل شخصية لبنانية إلتقيتها داخل أو خارج لبنان احتوى على تصريحات أصلية مثيرة أو طريفة أحيانا بل وغريبة في أحيان عديدة."

ويعرج في فصل عن اتفاقية الطائف الذي يطلق اللبنانيون تسمية «الجمهورية الثانية» على النظام السياسي اللبناني المنبثق على أساس هذه الاتفاقية الموقعة في 5 تشرين الثاني 1989 من قبل أغلبية ما تبقى من مجلس النواب اللبناني المنتخب قبل اندلاع الحرب الأهلية. "فبرعاية عربية ودولية وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من المفاوضات الصعبة وافق هؤلاء النواب على الصيغة الأخيرة للوثيقة المسماة بـ «وثيقة الطائف». وفي الواقع فإن موافقة هؤلاء النواب عكست أيضاً وبشكل خاص موافقة معظم القوى والأحزاب والميليشيات اللبنانية التي ظلت متناحرة فيما بينها في حرب أهلية مدمرة استمرت منذ 1975 حتى التوقيع على الاتفاقية تلك، نظراً لارتباط النواب أنفسهم بشكل أو بآخر بهذه الجهة أو تلك منها."

ولقد لجأ المؤلف الى إغناء كتابه بخاتمة تحليلية عن أحوال لبنان كتبت أثناء الحرب الأهلية بشكل يجعلها ذات قيمة تاريخية مرفقة بعدد من الملاحق الخاصة، في مقدمتها النص الكامل لوثيقتين أساسيتين هما «وثيقة الطائف» الموقعة في 5/11/1988 من قبل أغلبية ما تبقى من مجلس النواب اللبناني المنتخب قبل اندلاع الحرب الأهلية، «معاهدة الدفاع والأمن بين سوريا ولبنان» الموقعة في 1/9/1991 في مدينة شتورا اللبنانية.

يقول المؤلف في الفصل الأخير المعنون (هل كانت الحرب اللبنانية حتمية فعلاً؟): كل الذين توقعوا تشرذم لبنان خلال حربه الداخلية الطويلة نسبياً (1975–1990)، وحتى انقراضه بقيام عدة دويلات طائفية بدلاً منه، وهو مشروع قديم جديد لم يعارضه الأميركيون جوهرياً، وحلم سبق أنْ داعب وما يزال يداعب مخيلة الإسرائيليين، تجرعوا كأس الخيبة والهزيمة عندما شاهدوا دولة لبنان تلم جراحها لتنهض من جديد وطناً لكل اللبنانيين ما أكد أن الحرب تلك لم تكن لتقع لولا أن إرادات خارجية طامعة فرضتها ولولا أن قوى داخلية جشعة تحوّلت في لحظة تاريخية ما، وبفعل تناحر المصالح الذاتية الضيقة والنرجسيات، إلى مجرد قطاع طرق وطُغم مفترسة وأدوات في خدمة تلك الإرادات الخارجية، متقمصة شرعيات مصطنعة بالضرورة، سرعان ما انتفت الحاجة لها لتعود نفس القوى إلى التفاهم والتناغم من جديد بفعل صفقة «واقعية» أو اصطفاف جديد للمصالح والقوى ودائماً بفضل وصاية وتدخلات خارجية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

علم القصة - الذكاء السردي

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

عدد خاص للأقلام عن القصة القصيرة بعد ثلاثة عقود على إصدار عدد مماثل

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram