طالب عبد العزيز
قبل نحو من ثلاثين سنة، وفي العام 1993 على وجه التحديد، اقتضى أنْ اسافر الى عمّان مستصحباً والد وخطيبة صديقي، الشاعر المغترب جمال مصطفى، بغية اكمال تفاصيل زواجهما -ولهذه حكاية طويلة- لا مجال لذكرها الآن، ولأنني كنت موظفاً حكومياً فقد استحال علي تحصيل جواز السفر. أكثر من سنة مضت، حاولت فيها وحاولت، وبذلت فيها المال وماء الوجه لمن يستحق ولا يستحق، لكنَّ مساعيّ كلها خابت تماماً.
وبعد لأيٍّ ويأسٍ، صادف أنني التقيت بصديقي الشاعر خالد مطلق، وكان وقتها عضواً في مجلس اتحاد الأدباء العراقيين ببغداد، وحدث أن قصصت عليه محاولاتي وخيباتي تلك، فقال من فوره: لا عليك، الموضوع بسيط، وعندي أكثر من حيلة له، ومن ساعتها دخل على الشاعر رعد بندر، كان رئيساً للاتحاد وقصَّ عليه ما أنا بحاجته، وبما لا اتوقعه خرج خالدٌ عليَّ باسماً، وبيده كتابٌ رسميٌّ مختوم وموقعٌ بالحبر الاخضر، مرسل الى وزارة الثقافة مفاده أنني موفد الى المملكة الاردنية الهاشمية بمهمة رسمية، تتعلق بقضايا اتحاد الأدباء- المركز العام هناك.
حملت الكتاب الى الوزارة، وفي بحر دقائق خرج سكرتير الوزير منادياً، باسمي ليسلمني الكتاب موقعاً بالأحمر هذه المرة وبموافقة الوزير حامد يوسف حمادي على سفري. لكنني بلا جواز سفر!! ياترى ما الحل؟ حملت كتابي ثانية الى خالد مطلق ثانية، فأشار عليَّ أن اذهب الى دائرة جوازات العُلوية في بغداد لاستحصال الجواز، فقلت له كيف يكون لي ذلك ودائرة نفوسي في البصرة / ابو الخصيب؟ لكنني حملت كتاب الوزارة وذهبت، ومثل حالم غير مصدق، كانت معاملة الجواز تذهب الى الموظف هذا وتخرج من الموظف ذاك بايجاب تام، لكنني، وفي لحظات ابتهاجي تلك اصطدمت بعقبة بطاقة السكن، التي يجب أن تكون معلومة عندهم، وتشير الى مكان ما ببغداد، لذا عدت الى المنقذ المخلص صديقي الشاعر خالد مطلق وكعادته وجدها سهلة، يسيرة.
كان صديقنا المشترك الروائي وارد بدر السالم معنا في الحكاية من أولها الى آخرها، فقال: الحلّ عندي، وأنا لها !! قلت: واو كيف؟ سازوّر بطاقة السكن خاصتي لتمسي لك قال: وبطريقة فنية، استُخدم فيها الحكُّ والشطب والحبر الأبيض وجهاز الاستنساج- محدود الاستعمال والمراقب من دوائر الأمن آنذاك- صرتُ بغداديَ المولد والسكن، ومن فورها حملت بطاقتي السكنية المزعومة الى جوازات العُلوية، وبمثل العجالة تلك سارت القضية معي، من شباك الى آخر ومن موظف الى ثان .. هكذا، وقبل نهاية الدوام الرسمي لليوم ذاته تسلمت الجواز كاملاً، غير منقوص بشيء.
لا أكتب مديحاً لنظام دكتاتوري ظالم، ولا تقريظاً لأحد من الأصدقاء، ولا أريد أنْ أرسم صورة مخملية للأيام تلك، إنما أنا بصدد توضيح الكثير من الأعمال التي قام بها بعض الأصدقاء الأدباء المحسوبين على النظام ذاك. إذ، هناك جملة مواقف أنسانية ومشرفة لأدباء كبار قاموا بها يحركهم ضميرٌ صادقٌ وخفي، وكانوا على يقين بان النظام ذاهب الى غير رجعة، فساعدوا هذا وذاك، وهم يعلمون بانَّ قبضة النظام ومؤسساته الأمنية تراخت الى حدٍّ كبير، لكنها غير آمنة، بل وقادرة على البطش بهم، مهما كانت درجة قربهم منه.