TOP

جريدة المدى > عام > أخماتوفا، وغوميلوف، وماندلشتام في مقهى ”الكلب الضّال”

أخماتوفا، وغوميلوف، وماندلشتام في مقهى ”الكلب الضّال”

نشر في: 3 يناير, 2021: 07:59 م

جودت هوشيار

كانت آنّا أخماتوفا ، في الثالثة والعشرين من عمرها . إمرأة جذّابة ، وشاعرة رقيقة ، ذات موهبة عظيمة ، مفعمة بالأنوثة ، والبراءة ، والرومانسية، و نشرت قصائد تنم عن ولادة شاعرة واعدة .

وذاع صيتها ، حتى قبل أن تجمع قصائدها المنشورة في المجلات الأدبية المرموقة بين دفتي ديوان صدر في آذار عام 2012 تحت عنوان ” المساء “.

وكانت اخماتوفا وزوجها الشاعر نيكولاي غوميليف (1886-1921) يشكلان ثنائياً مبهراً . وكان الأخير ضابطاً في الحرس الإمبراطوري ، وشاعراً ذاع صيته وهو في مقتبل الشباب، وكثير الأسفار ، يجوب البلدان التي تختلف ثقافتها كثيراً عن الثقافة الروسية ، فقد قضى فترة من الزمن في مجاهل افريقيا ، ونشر عنها بعض الكتب. 

أما أخماتوفا فقد كانت تسهر في هذا المقهى حتى الفجر بجوار الموقد شتاءً، شاحبة الوجه ، ترشف القهوة السوداء ، وتدخن سجائر نسائية رقيقة ، وترتدي تنورة حريرية سوداء ضيقة لتبدو– كما تقول في قصيدة لها مكرسة للقبو – أكثر رشاقةً، وتشد خصرها بحزام جلدي عريض ، وتجلس مع سيدات ذوات عيون وسيعة ، يرتدين قبعات عريضة الحوافي ، يحيط بهن جمهور من المعجبين بشعر أخماتوفا . كانت الشاعرة الشابة مرحة دائماً ، تتعالى ضحكاتها في أرجاء القاعة ، فيقترب منها شاعر متمرس، ويطلب منها هامساً ، أن تخفض صوتها ، كما يليق بشاعرة معروفة . وعندما يطلبون منها القاء أبيات من شعرها ، يرتسم على وجهها تعبير جاد ، وتتوجه الى خشبة المسرح ، وتلقي ببراعة ممثلة مقتدرة ، شعراً حداثياً بإيقاعه الجميل وصوره المجازية المبتكرة .

كان هذا في زمن الازدهار الثقافي ، قبل النكبات التي حلت بروسيا في السنوات اللاحقة . ورغم أن الوضع السياسي كان مشحوناً بنذير أحداث عاصفة ، الا أن ذلك لم يمنع من مواصلة الحياة الإبداعية الصاخبة في هذا المقهى الفريد من نوعه في روسيا والعالم . فقد كانت الأحلام الجميلة ما زالت ممكنة التحقيق ، وأصبحت اخماتوفا معبودة الشعراء من مدرسة الذروة ” الأكميزم ” – الذين شكلوا تجمعاً اطلقوا عليه اسم ” ورشة الشعراء ” بمبادرة من الشاعر غوميليف – وتثير قصائدها رغبات حسية دفينة وموجعة لدى الجيل الجديد . ولم يدر بخلدها في ذلك الحين ، أن المستقبل محمّل بالمصائب .

وفي هذا المقهى توثقت علاقة أخماتوفا بواحد من أعظم الشعراء الروس في القرن العشرين وهو أوسيب ماندلشتام (1891 - 1938 ) . ذات مرة عندما انهت اخماتوفا إلقاء قصيدتها صعد ماندلشتام الى خشبة المسرح ، وارتجل إحدى روائعه التي يصف فيها الشاعرة الموهوبة آنّأ و شالها الكلاسيكي ( المزيف على حد تعبيره) . وبعد أيام كانا يتجولان في شوارع بطرسبورغ ، عندما دخلت آنّا الى كابينة التلفون ، وبعد أن انهت مكالمتها ، ارتجل ماندلشتام قصيدة في وصف جمالها ، وكيف تبدو وراء زجاج الكابينة وهي تتحدث في التلفون

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram