اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: عن الزمان الذي يخيفنا

قناديل: عن الزمان الذي يخيفنا

نشر في: 4 يناير, 2021: 07:01 م

 لطفية الدليمي

أكتبُ مقالتي هذه في الأيام الأخيرة من عام 2020 ،وعندما سيقرأها القرّاء الأعزاء يكون عام 2021 قد حلّ بيننا . 

ربما يكون من قبيل المخالفة أن أكتب عن مفردة مثل ( الخوف ) ونحن نستقبلُ عاماً جديداً ؛ لكن ليس من الحكمة أن نحاول التملّص من بعض مخاوفنا (الجمعية) عبر الإنغماس في أفراح أو سعادات جمعية مثلما يحصل في إحتفالات رأس السنة . 

جميلٌ أن نفرح كل وقت ؛ لكن يبدو لي أن بعض أفراحنا إنما هي لتناسي الأحزان التي نراها ( أو نتصوّرها ) في وجودنا البشري . هل هناك في هذا الوجود أكثر مدعاةً لحزننا الجمعي من تصوّر انزلاق الزمان من بين أيدينا وتلاشيه في غمرة العدم الكبير . 

يتعامل أغلبنا مع الزمان مثلما يتعامل السماسرة الجشعون مع المال : نتحسّر كلّما مرّ عامٌ ونراه إيذاناً أو تذكرة لنا بأننا خسرنا عاماً من حياتنا المحدّدة بقدر معلوم من السنوات على هذه الأرض ،وأظنّ أنّ تمادينا في الأجواء الإحتفالية ليس سوى غطاء ثقيل يموه خوفنا من لحظة التلاشي القادمة لامحالة . 

لطالما تساءلتُ : لماذا يخشى الإنسانُ سنواته القادمة حتى لو كان في مطلع حياته ، ولماذا تتعاظم مناسيب الخوف لديه كلما تقدّم عمره ؟ أظنّ أن منشأ هذا الخوف ( الوجودي ) يكمن في ثنائية متلازمة : الحسرة على مالم يتحقق في السنوات الفائتة ،والخوف من قلّة ماتبقى من الزمان لإنجاز مالم يُنجَز في مامضى . النتيجة واحدة في كل الأحوال : شعورٌ مقلق وخوف مَرَضي ( قد يستحيلُ عَوَقاً نفسياً مزمناً ) من قادمات الأيام . 

هناك الكثير من التفاصيل المحيّرة في هذا الموضوع . ماهو الزمان ؟ لماذا نتصوّره نهراً جارياً ونحنُ نعبُّ مياهه التي لن تلبث أن تتناقص حتى تجف لتتركنا في لجة السغب القاتل؟ الزمان تصوّر نفسي محض ،وهو كينونة أولى وُجِدت متلازمة مع المكان في لحظة الوجود الأولى ( لابأس أن نسميها الإنفجار العظيم ) . الزمان مواضعةٌ نفسية تخلقها أوهامنا : هذا مااتفق عليه أكابر الفيزيائيين النظريين ؛ فعلامَ نتخيّله خزنة سينضب مخزونها عمّا قريب؟ كلّ البشر مسكونون بهذه الحقيقة : الشعور بأننا لم نحقق ماكان يتوجّب تحقيقه منذ سنوات مبكرة، وأن الوقت المتبقي لايكفينا لتحقيق (ولو بعض) ماعجزنا عن تحقيقه في الماضي . هذه حقيقة بشرية وجودية عانى وطأتها حامل جائزة نوبل مثلما الذين يعيشون حياتهم يوماً بيوم . هي لعبة لانهائية ، ولن ينفع معها سوى أن نروّض أنفسنا على المعنى الكامن في الأمثولة الحكيمة ( بدل أن تنشغل بترقيع الثقوب العتيقة تمتّع بنشوة الخمر الجديدة ) . 

هل تساءلنا يوماً ماهي الأهداف العظمى التي نتحسر على عدم تحقيقها ؟ هل تصوّرنا يوماً أنّ عظائم الأفعال قد يكمن في صغائر الأفعال ؟ أتذكّرُ صديقاً مستور الحال كان يردد دوما أنّ أعظم مايتمنّاه في حياته أن يرى العراقيين يقابلونه صباحاً بابتسامة تعلو وجوههم . عاش صديقي هذا حياة أراها مقبولة بكل المقاييس ، وغادر هذه الحياة من غير شكوى أو امتعاض . 

كل عظماء المفكّرين والعلماء مسكونون بقناعة ميتافيزيقية أنّ الزمان ( أي سنوات العمر ) ليست سوى وهم، وأن الموت ليس سوى محطة عبور نحو عالم موازٍ لعالمنا، وقد يكون - ربما - أكثر فتنة وإدهاشاً من عالمنا . لماذا إذن نحجب عن أنفسنا إمكانية العيش في هذا الحلم الميتافيزيقي الجميل ونبقى مأسورين لقوانين الزمان وماتسببه من خوف مستديم ؟

كلّ عام وأنتم بخير .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram