علي حسين
أعتذر لجميع قراء هذه الزاوية، لأنني دائماً ما أعيد وأكرر الحديث عن الكتب، وتجارب الشعوب وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، بين واقع يزدهر، وآخر يتعكز على الخطب والشعارات. في هذا المكان كنت قد نصحت مسؤولينا بأن يقرأوا كتاب "قصة سنغافورة" والذي يروي فيه "لي كوان يو" كيف بدأت مسيرة سنغافورة، جزيرة كانت على هامش التاريخ ولم يكن فيها سوى الفقر.
كان لي كوان في مقتبل حياته يحلم ببناء وطن للناس وليس له، وحين أتت الفرصة بنى المصانع وأمر الناس بالعمل لا بالتصفيق.
اليوم أطلب من مسؤولينا ايضا أن يقرأوا رواية كتبها الفرنسي جيلبرت سينويه بعنوان "الصقر"، وقبل أن يقول قارئ عزيز: يارجل أنت تهرّف بما لا تعرف، تترك مشاكل البلاد، لتطلب من مسؤولينا المنذورين لمهام كبرى أن يقلبوا صفحات رواية عن الحب أو المغامرات.. سأقول لمن لا يعرف السيد جيلبرت سينويه إن هذا الروائي اللبناني الأصل، الفرنسي الجنسية عنده ولع بكتابة تاريخ هذه الأمة التي استبدلت الإعمار وبناء المستقبل بالخطب والشعارات ، فنجده يسطر رحلة ابن سينا، وحكاية ابن رشد مع التشدد، وماجرى بين البكباشي والملك فاروق.. هذه المرة يتناول سيرة الشيخ زايد من خلال رواية تؤرخ لمسيرة بلاد كانت من قبل صحراء وتحولت بفضل هذا الرجل إلى واحدة من أجمل دول العالم وأكثرها سعادة.
ومثلما تتزاحم المشاهد في كتاب "قصة سنغافورة" بين حياة لي كوان وتطور سنغافورة، يأخذنا جيلبرت سينويه في رحلة تبدأ عام 2004، بطل الرحلة رجل رجلٌ بلغ من العمر آنذاك السادسة والثمانين، يقول لنا: "أخرجت من عمق الصحراء بلاداً يعرف أهل الغرب اسمها، فهل تعرفون اسمي؟ حسناً سأعلمكم به: اسمي زايد بن سلطان آل نهيان". وسيروي بزهو حكاياته عن المستقبل ، ليأخذ القارئ معه في بلاد تحولت من صحراء إلى مدن بشوارع تشع سعادة وناطحات سحاب وحدائق ومدارس وجامعات ومستشفيات ومتاحف وأحلام أخرى تحولت الى حقائق. الرجل الثمانيني فخور بأنه أخرج للعالم نموذجاً يؤكد أن الإنسان العربي قادر على البناء والتطور، وأيضا على السعادة والاستقرار.
ولم يكن بطل رواية الصقر يحب إقاء الخطب، أو هتاف الجماهير، لكنه يعشق بناء المدن وبناء الإنسان، وطوال مسيرته السياسية لم يظهر واقفاً على منصة ينتظر "الأهازيج"، وبدل أن يعد شعبه بالمنح والمكارم ، قدم إليهم نموذجاً مزدهراً من خلال العمل، ظل يؤمن حتى اللحظة الأخيرة من حياته أن وقت المسؤول ملك للناس ، فإما أن يمضيه في العمل ورفع شأن البلاد، وإما أن يقضيه في القتال حتى مع خياله.
السؤال الآن: لماذا لا يسعى ساستنا إلى قراءة تجارب الشعوب، ولتكن رواية " الصقر" نموذجاً يطلعون عليه، ليعرفوا ان مستقبل الناس وسعادتهم ، اهم من عراك المناصب والغنائم؟ .