ناجح المعموري
إنها لحظة قاسية بالنسبة لي وللأصدقاء الذين عاشوا تاريخاً طويلاً مع الفريد سمعان، الشاعر والمناضل الذي مازالت صوره موزعة في حافظاتنا.
عندما تعرفت عليه في منتصف السبعينيات في جريدة طريق الشعب، انبهرت به، اسماً وعلماً سياسياً وشاعراً كبيراً، وأكثر ما أدهشني به، بساطته والأسئلة التي طرحها عليّ. لديه معرفة بالتاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي في مدينة الحلة والسردية الكبرى لسجن الحلة، وما فعلته بيوت الحلة الفقيرة للسجناء الذين هربوا...
كل البيوت تركت ابوابها مفتوحة حتى الصباح، وكان عيداً للفقراء الذين احتفوا بمن زارهم، لأن الشفرة مفهومة، دعوة للدخول وتأمين العلاقة مع الجيران تحوطاً من المداهمات. وكلما استمعت لأغنية فيروز (أبواب) أستعيد مروية الهروب وحماية العشرات من السجناء.
والتقيته بعد سقوط النظام في مقر الحزب، مع عدد من الأدباء والمثقفين، وعندما رآنا – نحن أبناء المحافظات – تمظهرت على وجهه سيمياء الفرح والسعادة. وعند عودتنا لطريق الشعب ظلت علاقتنا معه، وارتضينا المسير على ذات الطريق وترديد ما كنا نردده سابقاً في الخلوات والمناسبات الخاصة.
واتصل بي الفريد وبالأخ والشاعر موفق محمد، طالباً منا الترشيح لانتخابات اتحاد الأدباء والكتاب الأولى، وكان طلبه أمراً لم نستطع الاعتذار منه. واستمرت علاقتي معه ومازالت صورته الأبوية ترافقني وكنت اتغنى بالأمكنة التي تعرّف عليها وعاش فيها، وهو حريص على مرويات ذاكرته بالدقة المثيرة للاعجاب:
سأقول ما يعرفه كل الأصدقاء، وأنا سعيد به..
كلما ألتقيه بعد عودتي من الحلة، انحني له وأقبل يده، وهذا ما تكرر في زيارتنا الى عمان، حيث نمت على يده في جلسة مسائية أخيرة معه، وودعت اليد التي كتبت وابدعت، وكان وداعاً أخيراً.... الفريد كائن فريد.