TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: ألفريد سمعان : الرومانسي الثوري الجليل

قناديل: ألفريد سمعان : الرومانسي الثوري الجليل

نشر في: 9 يناير, 2021: 07:42 م

 لطفية الدليمي

نعيشُ اليوم وسط أجواء أبعد ماتكون عن عصر الرومانسية الثورية والفروسية الحزبية ؛ بل صار أمر الحديث عن مثل هذه التوصيفات وكأنه حديث لايليق بعصر مابعد الحداثة المقترن بمنجزات التقدم العلمي والتقني . الحديث اليوم صار عن عصر موت الآيديولوجيات الفكرية والرومانسيات الثورية و هيمنة نوازع المغالبة وكسب المغانم الذاتية وتكريس العصبيات الحزبية المكروهة .

نعم ، غابت الرومانسية الثورية وتغوّلت أخلاقيات التكريس المادي على الصعيدين الشخصي والحزبي ؛ لكن هل سيغيب الآيديولوجيون المثاليون أصحاب الأخلاقيات الرفيعة ؟ مؤكد أنهم سيبقون معالم بارزة عالية المقام . غابت الآيديولوجيات المبشرة باليوتوبيات الفكرية ؛إنما ستبقى ذكرى الآيديولوجيين ذوي المناقب المثالية الرفيعة. هل يمكن - بل كيف يمكن - أن تستقيم الحياة من غير رؤية مدفوعة بمحفّزات مثالية حتى ونحن نعيشُ وسط أعتى مظاهر التغوّل الرأسمالي الذي توّجته النيوليبرالية المتوحّشة وأخلاقيات السوق الحرة المنفلتة. 

ينتمي الراحل العزيز ( ألفريد سمعان ) إلى عصر كان فيه بعض الحزبيين- بعضهم وليس جميعهم !! - أمثلة مشرقة لنبالة الأخلاق ورفعة الروح وتغليب الإيثار والعطاء على الأخذ والانتفاع ، وكان سمعان ورفقاؤه على جاهزية تامة لتقديم أرواحهم فداء من أجل مبادئ رأوها مثالية عظيمة تستحق الدفاع عنها وبذل الروح في سبيلها . هي رؤية رومانسية بالتأكيد ؛ لكنهم كانوا مقتنعين بها بكامل إرادتهم الحرة . يأخذني العجب دوماً كيف يمكن لرجالٍ يؤمنون بمبادئ ( المادية الجدلية والمادية الديالكتيكية ) في نسختها الصارمة أن يقدّموا حياتهم طُعْماً للمشانق وهم يعرفون أنّ المادية الجدلية بعيدة كل البعد عن تقديم عزاءات غيبية لمرحلة مابعد الموت ؟ هل يمكن أن نشهد رومانسية أعلى من هذه الرومانسية التي تسعى لنصرة الانسان و الفئات المسحوقة ولاتطلب شيئاً لنفسها ؟ كم منّا من يتحمل أن يُساق في ( قطار الموت ) الذي أراده القتلة مقبرة متحرّكة لرومانسيي الفكر المثاليين الصامدين؟ من ذا الذي يستطيع التفكير - ولو مجرّد تفكير - أن يكون أضحية مكرّسة دفاعاً عن الشعب وحقوقه وسط حفل الشواء والانتقام الوحشي؟ هذه مقدرة بشرية لايستطيعها إلا أفراد تكمن صلابتهم الروحية في مثاليتهم الأخلاقية وترفّعهم عن صغائر الأفعال ، لقد كان الراحل العزيز (أبا شروق ) متصفاً بكل هذه الصفات الرفيعة التي يندر أن نرى نظيراً لها في أيامنا أو في قادم الأيام . 

لم يكن ( أبو شروق ) منكفئاً في عالم المثالية الرومانسية ومكتفيا بكلّ ماتقدّمه للروح من رفيع الخصال ، بل كان يعيش الحياة اليومية بكل تفصيلاتها ومجابهاتها، وكان له رفقاء وأصحاب ومحبون كثيرون ، ولم يكن ليتقاعس عن مدّ يد العون – بكل أشكاله الممكنة - لمن يحتاجها سواء بخبرته القانونية الواسعة أو بكرم خصاله ونزاهته الفريدة. لن أنسى يوماً أنّ ( أبا شروق ) هو من كان يتفقّد أحوالي كل بضعة أسابيع وأنا مقيمة في عمّان ؛ بل بلغ به الأمر أن يتكفّل بإنجاز معاملة ( القسّام الشرعي ) التي كنتُ في مسيس الحاجة لها ، وقد أنجزها وأرسلها لي متحمّلاً كلّ المصاريف والقرف الذي يصاحبُ مثل هذه المعاملات في دوائر فاسدة متهالكة إعتادت الرشى والسلوكيات المرهقة مع من يضطره سوء الحظ لمراجعتها ، وأعرف شخصياً الكثير الكثير من مواقف النبل الأخلاقي وكرم الروح التي وقفها الراحلُ العزيز تجاه كثيرين سواي . 

أبا شروق العزيز : الذكر الطيب لك في قلوبنا وضمائرنا أيها الرومانسي الثوري الجليل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram