د. فالح الحمـراني
في كانون الأول 2020* ، ظل الوضع العسكري السياسي في العراق صعباً ، مع وجود عناصر توتر ملحوظة. ويغرق البلد في أزمة منهجية طويلة الأمد.
وما تزال قائمة التناقضات الخطيرة حول العديد من القضايا الأساسية للسياسة الداخلية والخارجية لا بين القوى السياسية الرائدة في العراق. ويتفاقم الوضع في البلاد ، وخاصة في المجال الاقتصادي ، إلى حد كبير بسبب الانخفاض النسبي في أسعار النفط المتبقية في السوق العالمية. هناك نقص حاد في المياه والكهرباء في البلاد. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من عمليات مكافحة الإرهاب التي يتم إجراؤها بانتظام، لا تزال العصابات الإرهابية التابعة لـما يسمى ب "الدولة الإسلامية" تنشط في مناطق مختلفة من العراق. كما تضاعفت الهجمات على القوافل التي تنقل بضائع لقوات التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة وعلى مختلف المنشآت الأميركية في العراق. وتعقّد العديد من القضايا العالقة العلاقات بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وقيادة إقليم كردستان العراق.
وبحسب خبراء أميركيين ، فإن «الحكومة العراقية تفتقر إلى القدرة على تعزيز واستقرار الدولة العراقية ، وحتى لو كان لدى قادته الإرادة. لا قوات الأمن العراقية المشتتة، ولا المجتمع المدني الناشئ قادران على بذل جهود لإحلال الاستقرار الذي يحتاجه البلد "، ولا تسطيع الدولة اليوم " في بلد يمتلك أغنى احتياطيات نفطية ، الوفاء بالتزاماتها المالية". ويعيدون الأذهان إلى أنه وخلال سنوات العقوبات الدولية والاحتلال الأجنبي للعراق ، “دمرت الصناعة بالكامل، وتدهورت الزراعة. ووصل الفساد الحكومي إلى أبعاد محيرة للعقل. ونتيجة " لإشاعة الديمقراطية"، أصبح العراق اليوم معتمداً كلياً على الواردات، وعائدات النفط ليست كافية لدفع رواتب موظفي والخدمة المدنية ". واعترف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ، في خطابه في اجتماع حكومي طارئ في 21 كانون الأول إن النظام الاجتماعي والسياسي في البلاد يقترب من الانهيار الكامل منذ عام 2003 بسبب عدد من الأخطاء. وبحسب رئيس الحكومة ، فإن الأزمة السياسية في العراق مرتبطة بثلاث قضايا - السلطة والمال والفساد ، و "لمنع التدمير الكامل ، من الضروري إجراء إصلاحات في جميع المجالات".
لا يزال الوضع الأمني متوتراً في أجزاء عديدة من العراق ، ويرجع ذلك أساساً إلى الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها تنظيم داعش الإرهابي.
وواصلت القوات المسلحة التركية في كانون الأول قصف قوات وأهداف مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي (حزب العمال الكردستاني المعترف به في تركيا كمنظمة إرهابية ومحظور) في المناطق الحدودية في شمالي العراق. وعلى هذا النحو شن سلاح الجو التركي، في الشهر الماضي ، 4 غارات جوية على أهداف حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية - في 6 و 12 و 18 و 19 كانون الأول، إضافة إلى ذلك ، عرض الجيش التركي في 18 كانون الأول منطقة زاخو الحدودية في محافظة دهوك التابعة للحكم الذاتي الكردي العراقي لنيران المدفعية الثقيلة. وبحسب خبراء أميركيين فإن «تركيا تتجاهل استقرار العراق. وتعتبر انقرة كردستان العراق استمراراً طبيعياً لمنطقة عملياتها الداخلية لمكافحة الإرهاب دون اعتبار للسيادة العراقية ، وتتدخل بانتظام في السياسة العراقية وتزيد من نفوذها على موارد العراق المائية القيمة ".
ومن الناحية الاقتصادية شهد العراق في كانون الأول ، أكبر انخفاض في قيمة العملة الوطنية منذ الغزو الأميركي عام 2003.حيث أعلن البنك المركزي في 19 كانون الأول عن خفض بنسبة 22٪ لقيمة الدينار. وقد اتخذت السلطات هذا "الإجراء اليائس" استجابة لأزمة سيولة حادة ناجمة عن انخفاض أسعار النفط. في الوقت نفسه ، "سيسمح تخفيض قيمة العملة للحكومة بدفع أجور القطاع العام على المدى القصير ، لكنه لن يساعد في حل مشكلة الأسعار المتزايدة لأجور ومعاشات التقاعد والفوائد في القطاع العام على المدى الطويل". كما سيؤدي تخفيض قيمة العملة إلى "خفض قيمة الأجور بالدولار للقطاع العام والمطلوبات الأخرى المقومة بالدينار ، لكن الانخفاض الفعلي في التكلفة الإجمالية للأجور كنسبة مئوية من الإنفاق في الميزانية سيتطلب إلغاء الضمانات الاجتماعية الحكومية طويلة الأمد التي توفر الرعاية الاجتماعية والتوظيف والمزايا الأخرى للعراقيين" أكبر رب عمل في العراق اليوم هو الحكومة ، التي توظف 4 ملايين عامل في القطاع العام ، وتدفع 3 ملايين في شكل معاشات ، وتوفر الرعاية الاجتماعية لمليون شخص في شكل إعانات. تعتزم الحكومة العراقية خفض الإنفاق على أجور القطاع العام من 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021 ، وهذا بحسب الخبراء "سيعني على الأرجح الاستقالة القسرية للحكومة وسط احتجاجات حاشدة".
بالإضافة إلى ذلك ، سيؤدي تخفيض قيمة العملة إلى زيادة أسعار الاستيراد في البلاد. وفي هذا الصدد ، نذكر أن العراق “يستورد معظم بضائعه وليس لديه القدرة على بناء بدائل محلية بشكل سريع ، مما سيزيد من تكلفة المعيشة ويؤدي إلى تدابير تقشفية أخرى. وسوف تؤدي الزيادة الحادة في تكلفة الواردات دون وجود بدائل محلية أرخص كافيًا إلى تفاقم التضخم والصراع من أجل رفع تكلفة المعيشة ، حتى لو أدى ذلك إلى تحفيز تنمية الإنتاج المحلي على المدى الطويل.
إن الاستياء العام من قرار الحكومة بخفض قيمة العملة سيضعف قدرة السلطات على تنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. بالإضافة إلى ذلك ، فإن الانتخابات البرلمانية في يونيو 2021 "ستجعل العديد من السياسيين يخشون أي قرارات إصلاحية غير شعبية قد تؤدي إلى تدابير تقشفية. وبدون القضاء على الفساد المنهجي (وهو مسار غير محتمل للغاية للأحداث خلال العام المقبل) ، من الصعب تخيل تحسن الاقتصاد العراقي على المدى الطويل ".
ولكي يبني العراق أساساً مالياً قوياً على المدى الطويل ، يقدر صندوق النقد الدولي أنه يحتاج إلى "تعزيز المالية العامة ، وتحسين الحوكمة ، وإصلاح قطاع الكهرباء ، وتعزيز تنمية القطاع الخاص ، وضمان استقرار القطاع المالي". كل هذا "سيتطلب زيادة كبيرة في سلطة الحكومة واستقرارها". ويعتقد الاقتصاديون الأميركيون أن تخفيض قيمة العملة الوطنية سيساعد العراق على إبطاء تراجع احتياطيات النقد الأجنبي ، لكنه سيرفع تكلفة المعيشة ، ويضعف الدعم العام المشروط بالفعل لجهود الحكومة العراقية لتنفيذ إصلاحات أخرى طويلة الأجل في عام 2021.
في 22 كانون الأول ، وافقت الحكومة العراقية على مشروع موازنة 2021. قيمتها 150 تريليون دينار - حوالي 103 مليار دولار. عجز الموازنة يتجاوز 40٪ ، حجمها يصل إلى 63 تريليون دينار. وتستند الميزانية على سعر نفط قدره 42 دولارا للبرميل وصادرات تبلغ 3.25 مليون برميل يومياً.
وقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب رئيس الوزراء العراقي مذكرة تفاهم جديدة في 11 كانون الأول لتعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في القطاعين العام والخاص. وتستند المذكرة إلى جهود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم برنامج الإصلاح لمكافحة الفساد في العراق ، إلى جانب الحكومة الفيدرالية والوكالات غير الحكومية الرئيسية وفي كردستان العراق. يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حالياً بتنفيذ مشروع مكافحة الفساد من أجل الثقة في العراق ، والذي يوفر الدعم لتطوير الستراتيجيات والسياسات والأطر القانونية والتشريعات لمنع الفساد ، ويوفر فرصاً متزايدة للوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية.
اعتمدت المادة على تقرير الرصد الشهري للتطورات في العراق الذي يعده معهد الشرق الأوسط في موسكو.