علي حسين
بين الحين والآخر أعود لكتب المفكر الاقتصادي جلال أمين، وخصوصا كتابه المهم "ماذا حدث للمصريين؟" والذي يقدم فيه وصفاً لتحولات المجتمع المصري في نصف القرن الأخير، وقد وضع الكتاب صاحبه على سلم الشهرة الحقيقية ،
وليست الشهرة الزائفة التي يبحث عنها الشيخ مهدي الصميدعي هو يحرم علينا لقاح كورونا، الرجل يخبرنا بكل "أريحية" عن "عدم وجود شفاء في أمر محرم كونه نجس"، وهكذا تمكن مفتي الديار العراقية الصميدعي من أن يحقق شهرة، تضاف إلى مآثره التي حققها ذات يوم عندما أفتى بعدم تهنئة المسيحيين العراقيين في أعيادهم، لأنّ هذا "حرام".
وأعود لجلال أمين الذي رحل عن عالمنا قبل عامين، بعد أن ملأ الأجواء الثقافية والأكاديمية بحوارات جادة تبحث في أزمة المواطن المصري، وكان كتابه أشبه بتحذير من أن الدولة الرخوة تسمح لمجموعة من اللصوص أو الانتهازيين بأن يستولوا على مقدرات الناس، ونجد صاحب كتاب "ماذا حدث للمصريين؟" يشير بوضوح إلى دور المثقف الذي ارتضى أن يُقصي نفسه عن أحداث بلاده، ويفضل عدم الانغماس في مشاكل البلاد، فتحول بعض أصحاب الرأي والقانون وبعض من يسمون بالتكنوقراط إلى فئة مستعدة لتقديم ما تطلبه السلطة، من أجل استمرار النظام السياسي.
وأنا أقرأ كتاب جلال أمين تساءلت مع نفسي "ماذا حدث للعراقيين؟"، ولا أريد أن أعمم، فهناك شباب العراق الذين استطاعوا أن يقدموا نموذجاً حياً ووطنياً، ولكن هناك فئات كثيرة لا تزال تمارس لعبة "لا أرى لا أسمع لا أتكلم" ، وترفض أن تصدّق أننا يعيش عصر المهزلة السياسية بامتياز، استمر الخراب 17 عاماً وقتلت الناس على هوياتها، من غير أي ذنب، وشُرّد الملايين، ونهبت المليارات، لكننا ظللنا نخرج كل أربع سنوات لننتخب "جماعتنا" ووصل بنا الأمر إلى حد أن نسكت حين خرج علينا شيخ معمم ليقول بلا حياء: "خلي يبوكون، خلي البلاد تخرب، مادام ساستنا يحافظون على المذهب"، وحين قال محمود المشهداني بالحرف الواحد: "لقد سحقنا التيار المدني وسيظل تابعاً للتيار الديني إلى أمد بعيد"، لم يخرج عليه أحد ويطالبه بأن يعود ثانية إلى عيادة الطبيب النفسي. الذين أحكموا الخراب على العراق وأقاموا دولة الفساد وسدوا كل الأبواب والنوافذ أمام المستقبل، والذين طاردوا المتظاهرين الشباب في الشوارع والساحات، والذين قالوا إن هذا الشعب مجموعة رعاع ومكانهم القبر، والذين هرّبوا المليارات، والذين تصدّروا المشهد السياسي بفضل أصواتنا جميعاً، نحن الذين جعلنا منهم أثرى أثرياء الكرة الأرضية، وجعلوا منا أقواماً كسيحة وفقيرة وعاجزة، تتلفت حولها، تتوجس من جارها، وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى نفس الطائفة .
ماذا حدث للعراقيين ؟
جميع التعليقات 1
عراقي
مثلما انتم يولى عليكم.