علاء المفرجي
عام 2009 في مهرجان الخليج السينمائي في دبي؛ سنحت لي فرصة اللقاء بالمخرج جعفر عبد الحميد الذي كان قادماً من لندن لعرض فيلمه الروائي الطويل (مسيوكافيه)، وبعد هذه الأعوام أرسل لي أمس من لندن رابط فيلمه القصير الجديد (تبولة وفطيرة باي) لأشاهده.
ورغم أن عبد الحميد الذي انتقل إلى لندن في منتصف ثمانينيات القرن الماضي واتجه لدراسة العلوم الاجتماعية في جامعة لندن بينما كانت ميوله نحو التلفاز والسينما بشكل خاص، حيث عمل في القسم العربي في ال (بي بي سي) مساعد منتج في عام 1993. كان قد انتج عدداً من الأفلام الروائية القصيرة والوثائقية نذكر منها (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على اتساعهما) 2005 .. إلا أن فيلمه ( مسيو كافيه) الذي شارك في مهرجان دي دانس في نسخته التاسعة عشرة و مهرجانات اخرى.
فيلمه الجديد (تبولة وفطيرة باي)، يختلف بموضوعه عن فيلم مسيوكافيه، ومسيوكافيه في الفيلم، هو مقهى في لندن أغلب رواده من العراقيين والذين تدور أحاديثهم عن الحصار في التسعينيات التي هي زمن الفيلم والتي هي محاكاة للواقع الذي تعيشه الجاليات العراقية في المَهاجر، فلا يكاد لقاء يجمعهم إلا والسياسة تكون حاضرة سواء في النقاش، أو النكات أو الأخبار التي كانوا يتابعونها عبر الفضائيات الشبكة العنكبوتية، أما فيلمه الجديد (تبولة وفطيرة باي)، فيعزف على وتر آخر وإن كانت نفس المقطوعة، ولكن بإيقاع آخر.. شخصيتان تجمعهما الوحدة، والفراغ، والملل ، رجل انكليزي متقاعد، و فنانة مسرحية، وهي عراقية تستعد للسكن بجواره، الإثنان، يقاسيان الوحدة لكنهما على استعداد لتقبل الآخر مهما كان انتماؤه، ليتجاوزا تداعيات هذه الوحدة.. حيث تزدهر روح المشاركة والتعايش داخلهما لتمهد للقاء
المخرج جعفر عبد الحميد يعمد الى نقل حركة كاميرته، من المدينة بزاوية ضيقة تسمح بالتقاط حركة الشارع، وصخبه، آلة المكان الضيق الذي يجمعهما ، والذي نتلمسه بمدخل العمارة الضيق الذي لا يسع بالمرور منه الى أكثر من اثنين، وأيضاً ضيق الشقة المخصصة لشخص واحد.. وحتى النوافذ التي تظهر معتمة وبالإضاءة بشكل متناوب للشقتين، والتي تحمل دلالة واضحة على المشاعر الإنسانية التي تحكمهما، أو وجبات الطعام التي يتبادلونها، ففي الفيلم القصير وبالرغم من توفر كاميرا رقمية تبقى الصعوبة في الفكرة والأسلوب والقدرة على إنتاج معنى في حيز زمني قصير، وهو ما أنشأه في هذا الفيلم المخرج ليتلاءم مع مكان الحدث الضيق بدوره.. فهو لم يلجأ الى فيلم قصير غير واضح الدلالة بقصد التجريب ليطبع فيله بالغموض. مثلما هو لم يكن معنياً في بساطة الفكرة والمعالجة .. بل نحو مبدأ الرهان على نباهة المتلقي.. في استلهام الفكرة،.. لتبقى قضية معالجتها التي نجح هو فيها.. فالانتقال من مشهد الى آخر كان مترابطاً بسرد سلس تحكمه الفكرة.. التي وفر لها عناصر الجذب والتشويق، فالفيلم القصير وسيلة ناجعة لمقاربة السينما، فأمر قصره يتيح التركيز وضغط التفاصيل في الوقت الذي خصصه المخرج للفيلم (13 دقيقة في هذا الفيلم)، ونجح في أن يتداخل مع كافة أشكال التعبير القصيرة، التي ترمي إلى الاختزال والتكثيف.. واستفاد جعفر عبد الحميد من عمله كناقد في أن يمنح فيلمه مثل هذه الخصوصية.
الفيلم (تبولة وفطيرة باي)،، قصيدة هايكو بصرية عن عالمية المشاعر، والعيش المشترك، رغم اختلاف الثقافات والانتماءات.
جميع التعليقات 1
e0b8b8b689
عرفت السيد جعفر عبد الحميد شاب مثابر ، مهني ومحب للسينما. أتوقع له مستقبل ناجح وهو يستحق هذا لتفاصيل بحبه وشغله للكاميرات والحياة. ثائر الدعمي