علاء المفرجي
مفردات نتداولها في قاموس حياتنا اليومية، السياسي والاجتماعي والأخلاقي معاً، وسوف لاتنتهي في زمن قريب، لا سيما في مجتمعاتنا غير المنتهية بعد من تحولها من حالة الجماعة الطبيعية (القبيلة) القائمة على رابطة الدم إلى حالة المجتمع السياسي أو المدني القائم على علاقة الحياة الإنسانية المشتركة و« العقد الاجتماعي ».
في كتاب د. حسين الهنداوي (استبدادٌ شرقيّ أم اسْتبدادٌ في الشَّرق؟) يشير أن هذه المفردات تأخذ مكان بعضها البعض أو تتعاقب مرحلياً في التوظيف، إلاّ أنها تظل تحمل نفس المعنى فلسفياً بالنسبة لنا، وتدل جميعها على شكل من الحكم غير مقيد لا بدستور أو قانون أو عُرف ولا بنظام قيم أو ضمير أو حدود مهما كانت سوى العوامل الخارجية القاهرة مهما تضاربت المزاعم. وهو، استنتاج شكل مفروض قسراً وغير شرعي حتى إذا تقمص شرعية ظاهرية، ومهما بدا إيجابياً أو ضرورياً في لحظة أو أخرى . وهو بهذا لا يختلف عن نظام الحكم المطلق إلاّ من حيث إن الأخير قد يكون مقيداً ببعض القوانين المفروضة عليه من قبل دستور أو عرف أو دين أو خطر خارجي ما.
ويتساءل المؤلف عن السبب في ذكر المفردة الواحدة منها، تقفز الأخرى إلى الذهن على الفور وبالعكس؟.. فيشير إنه لحل مشكلة مغزى التعددية في مفردات تدعي تطابقاً داخلياً وعميقاً في وحدانية الدلالة، بينما تظل متباينة بين بعضها البعض لضرورات تاريخية أو لغوية أو قانونية أحياناً ولو نسبياً. فبينما شاعت الأولى، الطغيان، في الحضارات القديمة والوسيطة، وازدهرت الثانية، الاستبداد، خلال النهضة الأوروبية وحتى طلائع القرن العشرين، عرفت الثالثة، الدكتاتورية، استعمالاً أكثر رواجاً منذئذٍ كما لو أنها أكثر ارتباطاً بصعود دور العسكر في الحياة السياسية وهذا منذ الظاهرة البونابرتية على الأقل . والحال يصعب جداً الفصل بين تلك الفترات التاريخية في شأن جوهر تلك الدلالة خاصة.
ثم يتناول الكتاب مفهوم هذه المفردات عند الفلاسفة الغربيين منذ أفلاطون وأرسطو ولحد اليوم . "لكن المشكلة أعلاه تزداد تعقيداً عندما يجعل البعض " الديمقراطية " ظاهرة يونانية أو أوروبية بامتياز فيما يجعل « الاستبداد » خاصاً بالشرق أو بالشرق الإسلامي أو بآسيا ولصيقاً أبدياً بها جزافاً. وذلك لأن نعت « الاستبداد » كان منتشراً بشكل واسع جداً في الأدب السياسي الإغريقي القديم، بل إن المدلول ذاته قادم في الأصل من مفهوم إغريقي قديم وكان يعني السيد في علاقته مع العبيد أو السيد الحرّ في المجتمع الأثيني العبودي الفحولي." فمفهوم الاستبداد نجده بشكل أو آخر عند أهم مفكرين إسلاميين نهضويين في مطلع القرن العشرين وهما السوري عبد الرحمن الكواكبي والعراقي محمد حسين النائيني. فالاستبداد السياسي حسب الكواكبي « هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة ، وبلا خوف تبعه » مضيفاً « إن المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم ، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين » . أما الإستبداد في نظر النائيني فهو كما افتتح به كتابه « تنبيه الأمة وتنزيه الملَّة»: « أن يتعامل السلطان مع مملكته كما يتعامل المالكون مع أموالهم الشخصية، فيعتبر البلاد وما فيها ملكاً شخصياً له، ويجعل الشعب عبيداً له، فهم كالأغنام والعبيد والإماء لم يُخلقوا إلاّ له، فيقرّب من كان وافياً بهذه الأغراض متفانياً في تحقيق شهوات السلطان، وينفي عن البلاد ـ التي ظنها ملكاً شخصياً له ـ من وجده مخالفاً لذلك، وقد يعدمه أو يقدمه لقمة سائغة لكلابه، وما حوله من الذئاب الضارية، ثم يأمرهم بنهب أمواله، وسلب عياله» .
"ليس هناك « استبداد شرقي » أو « استبداد غربي » ، لكنْ هناك استبداد بل استبداد بشع هنا أو هناك في الشرق كما في الغرب."
وهذا هو الاستنتاج المحوري هو الذي يسعى المؤلف في كتابه إلى إثباته والذي يسعى ضمناً إلى تعميق الجدل حول تصورات نظرية أو تأملية أخرى تبلورت لدينا مع مرور الزمن بشأن مفهوميّ ( الاستبداد) و ( الاستبداد الشرقي )، أولها: إن السلطة الاستبدادية ، بأي شكل من أشكالها ، تتضارب بجوهرها مع « جوهر » الإنسان الذي هو الحرية . ولئن وجدت السلطة الاستبدادية في التاريخ الفعلي فإنها ظاهرة شاذة أو مرضية، ولا تخصّ منطقة جغرافية دون أخرى بأي حال من الأحوال. كما أنها عابرة أو وقتية في ذات الوقت وفي كل مكان أيضاً. وهي ، تالياً ،لا تخص جماعة بشرية « عرقية » دون أخرى.