لطفية الدليمي
هل نحلم أن يكون لدينا متحف عن تاريخ العلم ؟ أو متحف عن تاريخ الفيزياء أو آخر عن الكون والنظريات المتعلقة به من أقدمها تلك التي أتت بها العقلية الأسطورية وما تصورته عن الكون والخلق إلى أحدثها كالنظريات التي قال بها ( بول ديفيز ) في كتابه ( الأسئلة الكبرى ) الذي أواصل نشر فصول مترجمة منه في ثقافية أربعاء المدى ؟
هل نأمل أن يكون لدينا متحف لتاريخ نشوء الحياة على الأرض من أول خلية حية إلى ظهور الإنسان العاقل وعلى مدى 13 مليار عام كما يقترح ديفيد كريستيان في كتابه (قصة الأصل ) ولانكتفي بمتاحف الحضارات التي بدأت منذ نحو 15 ألف عام .
هل نجرؤ على الحلم أصلاً؟؟ ربما!، عندما ينزوي الدعاة الغلاة في معابدهم ومساجدهم ، وعندما يخرس ضجيج التنازع وهرطقات الإعلام وشعوذات الدجالين ويتوقف زعيق الساسة وبذاءاتهم ، ونجد متسعاً من الصمت يعيننا على التفكرّ واشتغال العقل .
هل نأمل أن يكون لدينا متحف لتاريخ الأديان كما الشعب السويسري متعدد القوميات والعقائد لنتقبل الاختلاف ولا نطلق رصاصة التكفير على الآخر المختلف ؟ متحف - كمتحف الأديان في بيرن – يسائل ويبحث عن إجابات تتعلق بمبررات الحروب والمهالك التي تسببت بها الصراعات الدينية بين المذاهب ونتائجها على الشعوب والحضارة الإنسانية والتي عانت منها سويسرا طوال قرون دموية حتى تحولت مادة متحفية لئلا تستعاد الفظائع.
شهدت يوما في العاصمة السويسرية بيرن مهرجان ( ليلة المتاحف ) الذي يقام في المدن الرئيسة مساء 28 آذار –من كل عام وتتوزع الأنشطة الثقافية فيه بين زيورخ وبيرن ولوسيرن وجنيف ولوزان. تباع في (ليلة المتاحف ) بطاقة موحدة بسعر مخفض لزيارة جميع المتاحف والمراكز الثقافية ، وخاصة تلك التي لاتفتح أبوابها عادة للعموم ، وبوسع المتابع زيارة أكبر عدد من المتاحف التي تبقى مشرعة الأبواب حتى الفجر ، إضافة إلى مشاهدة الفعاليات الثقافية في الساحات العامة .
تغمر ( ليلة المتاحف ) فضاءات المدن بأضواء قزحية، فلكل مبنى ومؤسسة إضاءة تميزها في هذا المهرجان ، وتدشن الفعاليات في ساحة البرلمان التي تطل عليها البناية التاريخية للبرلمان الاتحادي السويسري، وهي ساحة تستخدم خلال أيام الأسبوع سوقاً لباعة الزهور والنباتات والأجبان والخضار ، فتقام منصات مؤقتة لعرض السلع والمنتجات الزراعية أمام البرلمان بلا حظر ولا حراسة لسلطة خائفة : امتزاج واقعي وديمقراطي بين متطلبات الحياة اليومية من صحف وزهور وأطعمة وبين إدارة الحياة السياسية ومناقشة قضايا البلاد الاتحادية وإقرار القوانين والمشاريع التي تعرضها إدارات الكوميونات الاتحادية ، وفي ليلة المهرجان تنهمر الأضواء الملونة على مباني المتاحف ومراكز الثقافة ويفتح مبنى البرلمان للزوار وتضيء جناحيه أنوار صفراء بينما تشع مداخله وأقواسه باللون الوردي الساطع، ويتوهج منزل (آينشتاين ) بالوردي والأزرق والأصفر، وتضاء واجهات المكتبة الوطنية باللون الأحمر ومتحف تاريخ الفيزياء باللونين الأزرق والأحمر وتتوهج جوهرة العمارة - مركز الفنان بول كلي باللون الوردي الصاخب وتضاء مكتبة جامعة بيرن باللون البرتقالي ، متاحف وموسيقى ومسرحيات ورقص وندوات على مدار ليلة تتيح تداول المعرفة ومساءلة العلم والتاريخ للوقوف على إمكانات الحاضر واحتمالات الغد .
هل نحلم أن تفتح عندنا متاحف الفن للجميع وتقدم المحفزات للسمو بالذائقة الإنسانية وتدريب العين على التمتع بإبداعات الفن الرفيع ؟ وهل نحلم بمتاحف ومعارض لاتعلو فيها لافتات حظر وتحريم ؟
هل يحق لنا أخيراً الحلم بليال ثقافية تزيح ظلال الجهالة والتخلف عن أفق بلادنا الحزينة ؟