محمد حمدي
انقضى وقت الأنا، والتفاخر بما هو مجهول لدى الآخرين، فلم يعد مجهولاً بالمرّة سواء كنت رياضياً بارزاً أم مدرباً مُنتجاً، فتفاخرك أمام الفضائيات بتصريحات رنانة لا يعني أبداً أنك الأفضل والأوحد والأصدق في التصريح، وعليك أن تدرك ماضيكَ وحاضركَ ومنجزكَ، سيظهر لدينا بلغة الأرقام في عملية بحث بسيطة في بوابات الانترنت، والتغنّي على جراحات الجماهير ومداراة احتياجاتهم لا تعفيكَ من مسؤوليات سابقة كسرتَ بها قلوب الجماهير أيضاً وتفرعنتَ على مجرّد الإجابة على أسئلتهم!
هذه بصراحة عِلّة العِلل في مجتمع الرياضة اليوم، سواء على الجوانب الفنية والإدارية وصولاً الى التشجيعية بين الجماهير، وللوضوح أكثر بصورة جليّة فإن ما قيل عن مستوى مدرب منتخبنا الوطني بكرة القدم سريتشكو كاتانيتش من المدربين المحلّيين بعد التعادل مع منتخب الإمارات يوم الثلاثاء الماضي يستحقُ وقفات كثيرة نظراً لحجم التسقيط المُبالغ فيه والذي يبدو أنه يريد العودة بنا الى عصر التنافس اللاموضوعي بين المحلي والأجنبي الذي كنّا نشهده مع كل مهمة للمنتخب، ولا فرق بين من يقف على دفّة الإدارة الفنية محلياً كان أم أجنبياً، وبذات الطريقة للنيل من المدرب والسعي الحثيث لخلعه من المهمة!
ولا تخلو الساحة بطبيعة الحال عن ضحيّة جاهزة للرقص على حِبالها وزجّها وشخوصها في أتون معترك نفعي لا يغنيهم في شيء يُذكر، وأشراك الأعلام والإعلاميين في المهمّة واتهامهم بأنهم يقفون مع هذا وذاك وينحازون بثمن الى المدرب الذي يعنيهم كما يدّعي بذلك كاتانيتش! وهنا أريد أن أعرّج على هذه النقطة تحديداً التي اكتوينا بنارها ولا أريد أن أكون محامي الصحفيين والإعلاميين فلهم أخطاؤهم أيضاً وانحيازهم بطريقة وأخرى وفقاً للحظات الموقف أو تماشياً من الجمهور أو في أحيان كثيرة تجافي الموضوعية والابتعاد عن المهنية في التحليل والاستنتاج، وهذا أمر طبيعي ينّدر أن لا يمرّ به الإعلامي مهما كان حاذِقاً، ولكنهم أيضاً لا يمكن أن يكونوا في جميع الأحيان ميّالين الى صاحب التصريح لاعباً أو مدرباً أو إدارياً، ولا يُمكن أن نجامل بطريقة فاضحة لأخطاء ظاهرة للعيان وأن ننكر التاريخ وما يسجّله فهذه إشارات لا يمكن عبورها أبداً.
لقد أراد أحدهم أن نشاركه النيل بشدّة من كاتانيتش، ونقف معه لأنه (خير من تسعى به قدمُ) وهو أفضل مدرّب منظّر بلا منازع على شاشات الفضائيات فقط، ولكنّه يرتعدُ من الخوف إن وقف مع اللاعبين على دكّة الاحتياط، والآخر الذي يُجيد العزف بالصياح والضجيج يشهد التاريخ له بأنه أكبر من تلاعب بمنتخبات الفئات العمرية وبذر بذرة غير مُباركة في هذا الملف الصعب، والذي أرهق كاهل الكرة العراقية وحطّ من سمعتها، ولا يمكن أن ننكُر بأن الآخر الذي أنتقد أداء المنتخب بشدّة وضُعف الأداء في مباراة ودية بأنه هو من تسبّب في خروجنا العاصِف في استحقاقات آسيوية على أيدي منتخبات ليس لها مكانة آسيوية تُذكر.
اعتقد أن على الهيئة التطبيعية في هذا الظرف بالذات أن لا تستمع لكل ما يقال ويستهويها أنها آخر جذر زرعه اتحاد الكرة السابق، وهُم بالتأكيد يدركون أن مصلحة منتخبنا الوطني واستحقاقه العالمي المُقبل هو الأهم ولا يمكن التفريط به أبداً، لذلك كلّه نجد أن كاتانيتش بعد كل هذه التجارب - قطعاً لا تخلو من السلبيات - يكون هو الرجل المناسب، وعليه أن يفي بوعده في التأهل الى المونديال، ولا يلتفت الى الانتقادات غير المبرّرة!