علي حسين
بعد أسابيع سيظهر ساستنا على شاشات الفضائيات يتحدثون عن اللحظة العظيمة التي حصل فيها التغيير، وعن المكاسب التي تحققت للشعب من خلال الدستور "الديمقراطي" ومجلس النواب "التعاوني".
بعد 18 عاماً يبدو أن التغيير الحقيقي صار حلماً ومجرد ذكرى، واكتشف المواطن "المغلوب على أمره" أن ما جرى خلال السنوات الثمانية عشر الماضية ليس مقطوع الصلة بما جرى أيام حقبة "القائد الضرورة"، لعل ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات الماضية كان تجربة عملية على حرق كل أثر للتغيير، وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز، وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيراً بعد سقوط تمثال "صدام" فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام، المشهد العراقي بعد 18 عاماً يظل حافلاً بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الحائرة، ولعل أبرزها هي: ما معنى تضحيات العراقيين في الخلاص من دكتاتورية صدام ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام دكتاتوريات القتل المجاني وكواتم الصوت والترهيب والتخوين والعبوات التي تُزرع تحت سمع وبصر شرطتنا "الباسلة"؟ لم يكن العراقيون يتصورون أن تضحياتهم في سبيل الخلاص من دكتاتورية "القائد المؤمن ووصاياه" يمكن أن تفرّخ دكتاتوريات جديدة، وأن مسؤولين جاءوا على ظهور دبابات الديمقراطية يصابون اليوم بحالة من الدروشة كلما سمعوا كلمة دولة مدنية، وكلما أرادت الناس أن تفرح .
اليوم يريد ساستنا أن ينشغل المواطن بالعبوات التي تنفجر بالقرب من محلات بيع المشروبات بحجة أنها مخالفة للدين، من دون التطرّق، من قريب أو بعيد، إلى حكم الدين في السارق والمزور والانتهازي، يرفضون استدعاء الدين ليقول كلمته فى عصابات الاحتكار السياسي والاقتصادي .
يظفون الدين عنوةً لتبرير زرع العبوات وقتل من يختلف معهم وتغييب الشباب، فيما استبعدوا مفهوم الدين الحقيقي الذي يجعل من السرقة وقتل النفس البريئة وتخريب المجتمع من الكبائر.
إن ما يجرى من استباحة لدماء الناس واسترخاص حياتهم وامتهان كرامتهم ، ليس له تعريف سوى أنه محاولة لفرض الامر الواقع ، والاعلان ان الاحزاب الحاكمة لن تغادر المشهد .
الناس كانوا يأملون أن يجدوا ساسة منشغلين بالبحث عن الرفاهية والعدالة الاجتماعية، فإذا نحن أمام ساسة مهووسين بالبحث عن شرعية دينية تبيح لهم نهب البلاد واضطهاد العباد.
سيقولون لنا إن نظام صدام هو سبب كل المآسي، وينسون أن الأميركان أسقطوا تمثال صدام منذ ثمانية عشر عاماً، على أمل أن يعيش العراقيون في ظل نظام جديد يؤمن لهم الاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية .
ان القضية الاساسية التي تشغل الناس اليوم ، ليست محلات الشرب او النوادي ، وانما: هل فتح قادتنا الملهمون طريقاً واحداً يتلمس منه الناس أن أهدافهم من التغيير قد تحققت؟.