حاوره : كه يلان محمد . هدى مرمر
يتطلبُ التجديدُ في الأدب وإزدهاره الإنفتاح على الحضارات الأخرى والتواصل مع منجزها الفكري والثقافي وذلك مايدركهُ أصحاب المشاريع الحداثوية،
وتلعب الترجمة دوراً كبيراً على هذا الصعيد إذ يكتسبُ مفهوم الأدب بعداً جديداً مع الإدراك لأشكال تعبيرية مختلفة في سياق التنوع الثقافي ومازاد من زخم الحراك الروائي وتصدر هذا الجنس الأدبي للمشهد الثقافي هو الإهتمام بترجمة النصوص الروائية من خلفيات حضارية متعددة وبهذا تتابعُ الموجات ولاينكفئ الوسط الأدبي على أسماء محددة صدرت أخيراً رواية "بعيداً عن القرى" وهي أول نص روائي للكاتب البرازيلي "روبرتسون فريزيرو" وكان لنا حوار حول تجربته في الكتابة وعلاقته ودور الوعي الإبداعي في إنجاز مشروع الرواية.
كيف تفهم الإهتمام الكبير بفن الرواية على المستوى العالمي هل حل هذا الجنس الأدبي مكان الأسطورة في العالم المعاصر؟
- قبل بضعة عقود ، توقع العديد من المفكرين نهاية الكتاب. أولاً ، قالوا إن الكتب الإلكترونية ستعرّض الكتب الورقية للخطر. ثم أعلنوا أن وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات البث ستكون أكبر منافسيه. لكن الكتاب بقي وزادت المبيعات في عام 2020 - ناهيك عن أن الكتاب الورقي لا يزال أقوى من الكتاب الإلكتروني.
السبب بسيط للغاية: البشر يحبون القصص. على الرغم من أننا نعيش نوعاً من "العصر السمعي البصري" في الفنون والترفيه ، إلا أن وسائل الإعلام المهمة مثل السينما والتلفزيون لا تزال تعتمد على الكتاب لإشباع جوعهم لمواد جديدة وجيدة ، بالفعل يتزايد الاهتمام بالرواية في الوقت الحاضر لأن القارئ يحب أن يعيش القصة أكثر من مجرد قراءتها - والرواية هي النوع الأدبي الذي يسمح لذلك بطريقة أسهل.
استقطبت مؤلفات باولو كويلو الروائية جمهوراً عريضاً من القرّاء برأيك هل أنجز صاحب "الخيميائي" تحولاً في أسلوب كتابة الرواية؟
هناك قول مأثور بالبرتغالية ، شائع الاستخدام في البرازيل ، يقول:
Santo de casa não faz milagre.
إنه شيء مثل "القدّيس لا يصنع المعجزات في بيته". باولو كويلو هو مثال نموذجي لهذا المثل المتداول: ربما يصاب القراء الناطقون بالعربية بالصدمة عندما يعلمون أنه على الرغم من كل النجاحات التي حققها كويلو في جميع أنحاء العالم ، فإن العديد من الناس في البرازيل يحتقرون كتبه باعتبارها "أدباً سيئاً" - خاصة في الأوساط الأكاديمية (أقول ذلك لأني أعرف كم هو محبوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط).
تحيز خالص. إنه كاتب مبدع للغاية وأعتقد أن نجاحه يرجع إلى حقيقة أنه اختار العمل مع مواضيع عالمية ولا يخشى رواية قصة. إنه ينجح بذلك خاصّة عندما يتعلق الأمر بالجانب المقدّس والروحاني من التجربة الإنسانية - وهو مايتجاهله المؤلفون المعاصرون... في واقع الأمر ، من حيث استخدام لغة وموضوعات أعماله ، فإن كويلو بطريقة ما منفصل عما نسميه الأدب البرازيلي المعاصر - لكنه لا يهتم بذلك مطلقاً. لا أحب كتبه بشكل خاص (هناك العديد من الكتّاب في البرازيل الذين لديهم أعمال أكثر إثارة للاهتمام ، سواء في الإبداع والاستخدام المبتكر للّغة) ، لكنني ممتن جداً لباولو كويلو: لا أحد يستطيع أن ينكر أن نجاحه فتح الأبواب أمام الكتّاب البرازيليين في جميع أنحاء العالم - لذلك لدينا الآن مؤلفون مثل ماتشادو دي أسيس وكلاريس ليسبكتور مترجمين إلى العربية ، على سبيل المثال. أعتقد أن تأثيره كان مهماً حتى لنشر روايتي باللغة العربية
روايتك "بعيداً عن القرى " محتشدةُ بالشخصيات لكن الأمّ ماريا تأخذُ موقعاً أساسياً في المساحة السردية ويتماهى الابن مع ذاكرتها هل أردت بذلك تقديم نوع مغاير من البطولة؟
- كل حرب مليئة بالأبطال ، ومعظمهم ليسوا في ساحات القتال. هذه الرواية مليئة بهؤلاء الأبطال. أردت تأليف كتاب عن آثار الحرب وليس فقط في الأشخاص الذين عاشوا الحرب ، ولكن أيضاً في الأجيال اللاحقة. يحتوي الكتاب على موضوعين مهمّين: الطريقة التي نتمكن بها نحن البشر من بناء الذكريات من أجل جعل حياتنا محتملة ، وكذلك الطرق المختلفة التي يتجيب بها الناس (ويعيدون بناء أنفسهم) عند مواجهة مآسي حقيقية في الحياة. يظهر الموضوع الأول من خلال العلاقة بين الراوي والبطل ، إيمانويل ، ووالدته ، ماريجا. أما الموضوع الثاني فتقدمه ماريا وشقيقتها ميرنا.
بمعنى ما ، إنه ليس كتاباً عن حرب معينة - لم أذكر مطلقاً أصل الأسرة المهاجرة أو خلفيتها الثقافية والروحية ، على الرغم من أن القرّاء الناطقين بالعربية سوف يتعرفون بسهولة على بعض التقاليد الإسلامية التي يتم ذكرها أحياناً في الرواية. القصة مستوحاة من حرب تاريخية حقيقية حديثة ، لكنها في الواقع تدور حول جميع الحروب - الماضية والمستقبلية - وعواقبها المروعة على المدنيين. بالحديث عن الأبطال في الكتاب ، أنا متأكد من أن القارئ سيجد بعض المواقف البطولية للغاية في القصة بأكملها - ليست أعمالًا مسرحية ببطولات وأمجاد أسطورية للجنود والشهداء ، ولكن شجاعة بسيطة يقوم بها عامة الناس و قد تنقذ الأرواح. أفضّل أن أدع اللقراء يحكمون على كل شخصية على حدة وخياراتها.
بمن تأثرت من الروائيين وهل ثمة أسماء روائية معاصرة تهمكَ متابعة أعمالهم ماذا عن علاقتك بالثقافة العربية ؟
- قررت ترك الأدب بعد قراءة مارسيل بروست وفي الوقت نفسه ، منحني الشعور بأنه كتب أكثر الروايات استثنائية على الإطلاق دافعاً لعدم الاستسلام أبداً. فكّرت بأن " مارسيل بروست قد بلغ قمة إيفرست للرواية ، لذلك لست بحاجة إلى تحقيق هذا الهدف ... ويمكنني الكتابة لمجرد التسلية!" كنت في الخامسة عشرة من عمري وكنت ساذجاً تماماً حينها ، لكن بروست كان دائماً مرجعاً مهماً. رغماً عن ذلك فقد كانت أعمال روائيين آخرين من المؤثرات الرئيسية في كتاباتي أكثر من بروست: إي إم فورستر ، ماتشادو دي أسيس ، مارك توين ، توني موريسون ، فيودور دوستويفسكي ، أونوريه دي بالزاك ، غابرييل جارسيا ماركيز.
بالحديث عن المؤلفين المعاصرين ، فأنا أحب بشدة مؤلفين مختلفين تماماً: الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي والكاتب البرتغالي خوسيه لويس بيكسوتو. لقد قرأت تقريباً كل ما كتبوه حتى الآن. أسماء رائعة أخرى أتابعها باهتمام عميق: رودي دويل ، فيليبا ميلو ، ماريو فارغاس يوسا ، ميا كوتو ، ميشيل لوب ، كازو إيشيغورو ،و إيان ماك إيوان ، على سبيل المثال لا الحصر.
جعلني الأدب أشعر بأنني أقرب إلى الثقافة العربية. بدأ هذا بكتاب للأطفال كتبه مؤلف برازيلي تحت اسم مستعار "Malba Tahan" - الكتاب عبارة عن رواية مليئة بمسائل الرياضيات ليحلها القارئ ، والقصة بأكملها في أرض عربية أسطورية. هذا الكتاب سحرني. بعد ذلك ، كان الفضل لكتاب "ألف ليلة وليلة" ... لفت كتّاب برازيليون آخرون مثل ميلتون حاطوم ورادوان نصار انتباهي إلى عالم المهاجرين العرب في البرازيل. أنا مغرم بشكل خاص بحاطوم ، الذي يكتب عن حياة المهاجرين الناطقين بالعربية في غابات الأمازون ، وهو موضوع فريد تماماً. لقد حفزني ذلك على المضي قدماً ومعرفة المزيد. ما زلت أحلم بزيارة ذلك الجزء من العالم الذي يسحرني كثيراً ، وكانت فرحتي عارمة حين تلقيت خبر نشر كتابي بالعربية في الكويت. أتمنى أن يخلق هذا الكتاب رباطاً حيوياً طويل الأمد مع القرّاء الناطقين باللغة العربية.