طالب عبد العزيز
مع يقينها المطلق باستحالة قيام الدولة الإسلامية، إلا أن بعض الأحزاب الدينية ما زالت تُوهم جماهيرها بذلك، كيما تبقى في السلطة مدة أطول، وتستحوذ على المزيد من المال والنفوذ، وليس من أجل تحقيق الآمال والطموحات، التي جذبتهم على أساسها، فهذه مسألة لم تعد قائمة لا في أذهانهم، ولا في أذهان جماهيرهم المغلوبة على أمرها، بعد أن تكشف كل شيء، واتضحت للعيان حقيقة سعيهم للتمسك بالسلطة بما أوتوا من مكْر وقوة.
لقد مزّق قادة الأحزاب تلك الصورة الرومانسية، التي كان يتمتع بها المنتمي الى حزب الدعوة، على سبيل المثال، وذهبت هالة القداسة، التي كانت تحيط الوجوه، التي حفرت عميقاً في الوجدان العراقي –الشيعي تحديداً- وتشرّب الترابُ، الى غير رجعة، المُثلّ والقيم العظيمة، التي نادى بها الدُّعاة الاُول، لكنها لم تثمر، في أول اختبار لها مع السلطة، وها، نحن لا نقع بأبصارنا على أحدٍ منهم، بعد أن انزوى من انزوى، وترك المشهد من تركه، بل وهناك من تبرأ تماماً من انتمائه السابق متنكراً لكل ما قام الزعماء الجدد به.
لم تسقط أميركا، بشرورها المعروفة، مشروع الدولة الإسلامية، أبداً، إنما الذي اسقطه هم قادة الأحزاب الاسلامية نفسها، على الرغم من تأكيد استحالة قيامه تاريخياً، بحسب كتاب علي عبد الرازق(الاسلام وأصول الحكم) وغيره من نقّاد الفكر الديني.وما نشهده اليوم من لعب على قضية الانتخابات، باستبدال الآلية الحزبية، التي قادت العراق، منذ سبعة عشر عاماً، بوجوه وصور وهيئات ممسوخة، إلا محاولة يائسة وغبية. لقد اتضحت الصورة، وانتهى الزمن الفعلي لحكم الإسلام السياسي، ولولا البنادق التي تتسلح بها الأحزاب هذه، وحجم الرعب الذي يتوغل عميقاً في نفوس الناس جراء ما قاموا به، ولولا حجم الخديعة التي ما زالت تنطلي على البعض، لرأينا شعباً وعراقاً آخرَ، يتأسس مشبّعاً بقيم الوطنية والمواطنة، ويذهب لإنتخاب مرشحيه الحقيقيين، الذين يتوسم فيهم التغيير والبناء.
إذا كانت جموع المسلمين من السنّة والشيعة، الذين عانوا من الحكم الدكتاتوري والتسلط الحزبي قد ذهبوا بقلوبهم، منتمين الى الأحزاب الإسلامية، يدفعهم شعور غيبي، بإمكانية تحقيق دولة العدل الإلهي، والعيش في كنف الطمأنينة المزعومة، التي يوفرها لهم الإسلام، فهم أحوج ما يكونوا اليوم الى أن يُعملوا عقولهم في ما كان عاطفةً وعشقاً رومانسياً، ويتبينوا الرُّشد من الغيّ، الذي أوصى القرآن به، فلا الحقيقة العلمية تسعف آمالهم، ولا الاداء السيئ لزعاماتهم يسمح لهم بتكرار ما عانوا منه، ووقعوا تحت سطوته، طوال سبعة عشر عاماً الماضية. وحريٌّ بهم تأمل بلادهم، لو أنَّها لم تحكم بمثل هؤلاء، وماذا سيكون عراقهم بدون العملاء والذيول، الذين تنعموا بخيراتها فيما ولاؤهم لغيرها.
كان النبي محمد قد آثر مكة على كل البلاد، على الحفاوة، التي لقيها وأصحابَه في المدينة، وكانت قريش الأقرب لروحه أهلاً وسكناً، وما سمعنا عنه أنه فضّل عليها وعليهم أحداً، وإذا سألنا: ترى لماذا لا يقتدي هؤلاء به؟ فسيكون الجواب بـ : إنهم قوم آثروا منفعتهم على كل شيء.